إنسان بعمر 250 سنة | ثورة الامام الحسين (ع) تكليف وواجب 04

يُمكننا أن نُلخّص القضيّة بهذه الصّورة: إنّ ثورة الإمام الحسين عليه السلام كانت لتأدية واجبٍ عظيمٍ وهو إعادة الإسلام والمجتمع الإسلاميّ إلى الخطّ الصّحيح أو الثّورة ضدّ الانحرافات الخطيرة في المجتمع الإسلاميّ. وهذا ما يتمّ عن طريق الثّورة وعن طريق الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، بل هو مصداقٌ عظيم للأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر. بالطّبع، فقد تكون نتيجتها إقامة الحكومة، وقد تكون الشّهادة، وقد كان الإمام الحسين عليه السلام مستعدًّا لكلتا النّتيجتين. والدّليل على ذلك هو ما يُستنتج من أقوال الإمام الحسين عليه السلام.

 

وهذه بعض أقوال أبي عبد الله عليه السلام وكلّها تشير إلى هذا المعنى:


أ- عندما طلب الوليد، والي المدينة، الإمام الحسين عليه السلام ليلًا وقال له: إنّ معاوية قد مات وعليك بمبايعة يزيد، ردّ عليه الإمام عليه السلام : "نُصبح وتُصبحون وننظر وتنظرون أيّنا أحقّ بالبيعة والخلافة" . وعند الصباح عندما لقي مروان أبا عبد الله عليه السلام طلب منه مبايعة يزيد وعدم تعريض نفسه للقتل، فأجابه الإمام عليه السلام: "إنّا لله وإنّا إليه راجعون، وعلى الإسلام السّلام إذ قد بُليت الأمّة براعٍ مثل يزيد" . فالقضيّة ليست شخص يزيد، بل أيّ شخصٍ مثل يزيد، فما يريد الإمام الحسين عليه السلام قوله هو: لقد تحمّلنا كلّ ما مضى، أمّا الآن فإنّ أصل الدين والإسلام والنّظام الإسلاميّ في خطر، إشارة إلى أنّ الانحراف خطرٌ جدّي، والقضيّة هي الخطر على أصل الإسلام.

 

ب ــ إنّ أبا عبد الله عليه السلام قد أوصى أخاه محمّد ابن الحنفيّة، مرّتين: الأولى عند خروجه من المدينة، والثّانية عند خروجه من مكّة. ولعلّ هذه الوصيّة كانت عند خروجه من مكّة في شهر ذي الحجّة ــ فبعد الشّهادة بوحدانيّة الله ورسالة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يقول الإمام عليه السلام : "وإنّي لم أخرج أشرًا ولا بطرًا ولا مفسدًا ولا ظالمًا وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدّي صلى الله عليه وآله وسلم" ، أي أريد الثّورة لأجل الإصلاح لا للوصول إلى الحكم حتمًا أو للشّهادة حتمًا. والإصلاح ليس بالأمر الهيّن، فقد تكون الظّروف بحيث يصل الإنسان إلى سدّة الحكم ويمسك بزمام السّلطة وقد لا يمكنه ذلك ويستشهد، وفي كلتا الحالتين تكون الثّورة لأجل الإصلاح. ثمّ يقول عليه السلام: "أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدّي وأبي عليّ بن أبي طالب عليه السلام فمن قبلني بقبول الحقّ فالله أولى بالحقّ، ومن ردّ عليّ هذا أصبر حتّى يقضي الله بيني وبين القوم بالحقّ ﴿وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ﴾ ..." . والإصلاح يتّم عن هذا الطّريق، وهو ما قلنا أنّه مصداق للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
 


ج- عندما كان الإمام عليه السلام في مكّة، بعث بكتابين، الأوّل إلى رؤساء البصرة، والثاني إلى رؤساء الكوفة، جاء في كتابه إلى رؤساء البصرة: "وقد بعثت رسولي إليكم بهذا الكتاب وأنا أدعوكم إلى كتاب الله وسنّة نبيّه، فإنّ السنّة قد أُميتت والبدعة قد أُحييت، فإن تسمعوا قولي وتُجيبوا دعوتي وتُطيعوا أمري أُهدكم سبيل الرّشاد" . أي يريد الإمام الحسين عليه السلام تأدية ذلك التّكليف العظيم وهو إحياء الإسلام وسنّة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والنّظام الإسلاميّ. وجاء في كتابه إلى أهل الكوفة: "فلعمري ما الإمام إلّا العامل بالكتاب والآخذ بالقسط والدائر بالحقّ والحابس نفسه عن ذات الله، والسلام" . الإمام ورئيس المجتمع الإسلاميّ لا يمكن أن يكون فاسقًا فاجرًا خائنًا مفسدًا بعيدًا عن الله، بل يجب أن يكون عاملًا بكتاب الله، وذلك بالطّبع على مستوى المجتمع، لا أن يحبس نفسه في غرفة الخلوة للصّلاة، بل أن يحيي العمل بالكتاب على مستوى المجتمع، ويأخذ بالقسط والعدل ويجعل الحقّ قانون المجتمع. ولعلّ معنى الجملة الأخيرة هو أنّه يثبّت نفسه على الصّراط الإلهيّ المستقيم بأيّ نحوٍ حتّى لا يقع أسير الإغراءات الشّيطانيّة والماديّة. أي إنّ الإمام عليه السلام قد بيّن هدفه من الخروج.

 
د- كان الإمام عليه السلام بعد خروجه من مكّة يُخاطب النّاس في كلّ منزل ينزل فيه، عندما (واجه الحسين عليه السلام جيش الحرّ) وسار بأصحابه في ناحية، والحرّ ومن معه في ناحية، حتّى بلغ "البيضة" خاطب الإمام عليه السلام أصحاب الحرّ، فقال: "أيّها النّاس إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: من رأى سلطانًا جائرًا مستحلًّا لحُرم الله، ناكثًا لعهد الله، مخالفًا لسنّة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يُغيّر عليه بفعل ولا بقول، كان حقًّا على الله أن يُدخله مدخله" . فالنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بيّن ما يجب عمله إذا انحرف النّظام الإسلاميّ، وقد استند الإمام الحسين عليه السلام إلى قول النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم هذا.

 

فالتّكليف هو أن "يُغيِّر بفعل أو قول"، فإذا واجه الإنسان مثل هذه الظّروف، وكان الظّرف مؤاتيًا كما تقدّم، وجب عليه أن يثور ضدّ هذا الأمر ولو بلغ ما بلغ، سواء أدّى ذلك لأنّ يُقتل، أو أن يبقى حيًّا، أو أن ينجح في الظّاهر أو لا ينجح، يجب على كلّ مسلم في مثل هذه الحال أن يثور. وهذا تكليفٌ قال به النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم. ثمّ قال عليه السلام: "وإنّي أحقّ بهذا" ، لأنّي سبط النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، فإذا كان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قد أوجب هذا الأمر على المسلمين فردًا فردًا، فإنّ سبط النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ووارث علمه وحكمته الحسين بن علي عليه السلام سيكون أحقّ بالثّورة، "فإنّي خرجت لهذا الأمر"، فيُعلن عن سبب وهدف ثورته وهو لأجل "التغيير" أي الثّورة ضدّ هذا الوضع السّائد.


 
هـ- كان للإمام الحسين في منزل عُذيب، ــ حيث التحق به أربعة نفر: بيانٌ آخر، قال لهم الإمام عليه السلام : "أما والله إنّي لأرجو أن يكون خيرًا ما أراد الله بنا قُتلنا أم ظفرنا" . وهذا دليل على ما تقدّم أنّه لا فرق سواء انتصر أم قُتل، يجب أداء التكليف.

 

وفي أوّل خطبةٍ له عليه السلام عند نزوله كربلاء، يقول عليه السلام : "وإنه قد نزل من الأمر ما قد ترون" إلى أن يقول: "ألا ترون إلى الحقّ لا يُعمل به وإلى الباطل لا يُتناهى عنه؟ ليرغب المؤمن في لقاء ربّه حقًّا..."  إلى آخر الخطبة.

 

إنّ ثورة الإمام الحسين عليه السلام، إذًا، كانت تأديةً لواجب، وهذا الواجب يتوجّه إلى كلّ فرد من المسلمين عبر التاريخ، وهو أنّه على كلّ مسلم لزوم الثّورة حال رؤية تفشّي الفساد في جذور المجتمع الإسلاميّ بحيث يُخاف من تغييرٍ كلّي في أحكام الإسلام، بالطّبع، بشرط أن تكون الظّروف مؤاتية، وعُلم بأنّ لهذه الثورة نتيجة، أمّا مسألة البقاء على قيد الحياة وعدم القتل وعدم التعرّض للتعذيب والأذى والمعاناة، فهذه الأمور ليست من الشّروط. فالحسين عليه السلام قد ثار وأدّى هذا الواجب عملياً ليكون درسًا للجميع.

(09/06/1995)

لقد قام الإمام الحسين بن عليّ عليه السلام وأيقظ وجدان النّاس. لهذا ظهرت تلك النّهضات الإسلاميّة الّتي بدأت واحدة تلو الأخرى، بعد شهادة الإمام الحسين عليه السلام، والّتي جرى قمعها حتمًا. ولكن ليس المهمّ أن يجري قمع التحرّك من قبل العدوّ وإن كان بالطّبع مرًّا، ولكن ما هو أمرّ هو أن يصل المجتمع إلى حيث لا يظهر أيّ ردّة فعل مقابل العدوّ، هذا هو الخطر الأكبر.

 


المصدر: كتاب إنسان بعمر 250 سنة، للامام الخامنئي، الفصل السادس: الإمام الحسين (ع)

2025-04-21 | 5 قراءة