إنسان بعمر 250 سنة | بعثة النبي.. العمل السياسيّ 02

لم تكن السياسة هي العنصر الوحيد في بناء هذه الأمّة، بل كانت تُمثّل قسمًا من هذه العمليّة. والقسم الأساس الآخر فيها كان يتركّز على بناء الأفراد، ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾ ، ومعنى ﴿وَيُزَكِّيهِمْ﴾ أنّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان يعمل على تربية وتزكية القلوب قلبًا قلبًا، كما كان يُغذّي العقول عقلاً عقلاً، وذهناً ذهناً، بالحكمة والعلم والمعرفة، ﴿وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾، والحكمة أعلى درجة ومكانة. فلم يكن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يُعلّمهم القوانين والأحكام فحسب، بل كان يُعلّمهم الحكمة أيضًا، وكان يفتح عيونهم على حقائق الوجود. 

 

وهكذا سار النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فيهم لمدّة عشر سنوات. فمن ناحية كان اهتمامه منصبًّا على السّياسة وإدارة الحكومة والدّفاع عن كيان المجتمع الإسلاميّ ونشر الإسلام وفتح المجال أمام تلك الجماعات الّتي كانت تعيش خارج المدينة أن يدخلوا السّاحة النورانيّة للإسلام وللمعارف الإسلاميّة، ومن ناحيةٍ أخرى كان يعمل على تربية أفراد المجتمع. وهذان الأمران لا يُمكن فصل أحدهما عن الآخر.

 

لقد اعتبر بعض النّاس أنّ الإسلام مسألة فرديّة، وفصلوه عن السياسة، في حين أنّ نبيّ الإسلام المكرّم صلى الله عليه وآله وسلم في بداية الهجرة، ومن اللحظة الأولى الّتي تمكّن فيها من النجاة بنفسه من مصاعب مكّة، فإنّ أوّل ما قام به هو السياسة. فإنّ إقامة المجتمع الإسلاميّ وتشكيل الحكومة والنّظام والجيش الإسلاميّ وإرسال الرسائل إلى حكّام العالم الكبار والدخول في معترك السياسة العظيم آنذاك، تُعدّ كلّها من شؤون السياسة.

 

فكيف يُمكن فصل الدين عن السياسة؟! وكيف يُمكن إعطاء السياسة معنىً ومضمونًا وشكلًا بِيَد غير يد الهداية الإسلاميّة؟! ﴿الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ﴾ ، ﴿أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ﴾ . إنّهم يؤمنون بالقرآن، لكنّهم لا يؤمنون بسياسته! ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾ . فما معنى القسط؟ إنّ القسط يعني إقرار العدالة الاجتماعيّة في المجتمع. فمن الّذي يستطيع تحمّل هذا العبء؟ إنّ إقامة مجتمع يعمّه العدل والقسط هو عملٌ سياسيّ يقوم به مدراء البلاد، وهذا هو هدف الأنبياء جميعًا. فليس الأمر مقتصرًا على نبيّنا فقط، بل إنّ عيسى وموسى وإبراهيم وجميع الأنبياء الإلهيّين عليهم السلام قد بُعثوا من أجل العمل السياسيّ وإقامة النّظام الإسلاميّ.

(22/08/2006)

 


المصدر: كتاب إنسان بعمر 250 سنة، للامام الخامنئي، الفصل الأول: النبيّ الأعظم (ص)

2025-04-21 | 7 قراءة