مفردات قرآنية 7

شيئاً إدّا

قال تعالى في سورة مريم، الآيات من الثامنة والثمانين إلى الحادية والتسعين: (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا).

(الإدّ) هو الشيء المنكر الفظيع، ونسبة الولد لله سبحانه من أقبح أشكال الشرك به عز وجل، لأن الله سبحانه لا شبيه له ولا مثيل، ولا حاجة له إلى الولد، ولا هو جسم ولا تعرض عليه العوارض الجسمية – لذا فكأنّ كل عالم الوجود، الذي بُني على أساس التوحيد، قد اضطرب وتصدّع إثر هذه النسبة الكاذبة. 

إنّ هؤلاء المدعين لله ولدا لم يعرفوا اللهَ قط، لأنّ طلب الولد لواحد من عدة أشياء: إمّا لأن عمره ينتهي فيحتاج لولد مثله يحمل صفاته ليبقى نسله وذكره.

أو لأنه يطلب الصديق والرفيق لأنّ قوته محدودة. أو لأنه يستوحش من الوحدة، فيبحث عن مؤنس لوحدته. أو لأنه يحتاج عند كبره وعجزه إلى مساعد ومعين شاب.

وأيّا من هذه المعاني لا ينطبق على الله سبحانه، ولا يصح، فلا قدرته محدودة، ولا حياته تنتهي، ولا يعتريه الضعف والوهن، ولا يحسّ بالوحدة والحاجة، إضافة إلى أنّ وجود الولد دليل على الجسمية، ووجود الزوجة، وكل هذه المعاني بعيدة عن ذاته المقدسة.


صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً

قال تعالى في سورة النساء الآية الرابعة منها: (وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا).

(النِّحلة) في اللغة تعني الدَّين، كما أنّها تعني العطية أيضاً.

و(الصدُقات) جمع الصّداق وهو المهر.

والآية تشير إلى أحد حقوق الزوجة في الإسلام وتقول: أعطوا المهر للزوجة كاملاً، واهتمّوا بذلك كما تهتمّون بما عليكم من ديون فتؤدونها كاملة دون نقص. هذا بناء على أنّ النحلة بمعنى الدين.

وأمّا إذا أخذناها بمعنى العطية والهبة فيكون معنى الآية: أعطوا النساء كامل مهرهن الذي هو عطية من الله لهنّ.

ثم يأتي ذيل الآية إلى بيان ما من شأنه تقوية أواصر الودّ والمحبة بين الزوجين ليقول: فلو تنازلت الزوجة عن شيء من المهر ووهبته للزوج عن طيب نفسها جاز للزوج أكل الموهوب له.. وإنّما أقرّ الإسلام هذا المبدأ لكيلا تكون البيئة العائلية والحياة الزوجية ميدانا لسلسلة من القوانين والمقررات الجافة، بل يكون مسرحا للتلاقي العاطفي الإنساني، وتسود في هذه الحياة المحبة جنبا إلى جنب مع المقررات والأحكام الحقوقية.


صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ

قال تعالى في الآية الأربعين من سورة الحج: (..وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا..)

الصوامع جمع صومعة وهي مكان خارج المدينة بعيد عن أعين الناس مخصص لمن ترك الدنيا من الزهاد والعباد، وتعني في الأصل البناء المربع المسقوف.

والبيع جمع بِيعة بمعنى معبد النصارى، ويطلق عليها كنيسة أيضا.

والصلوات جمع صلاة، بمعنى معبد اليهود، ويرى البعض أنها معرّبة لكلمة (صلوتا) العبرية، التي تعني المكان المخصّص بالصلاة.

وأمّا المساجد فجمع مسجد، وهو موضع عبادة المسلمين.

والمراد من الآية: أنّ الله تعالى إن لم يدافع عن المؤمنين، ويدفع بعض الناس ببعضهم عن طريق الإذن بالجهاد، لهدّمت أديرة وصوامع ومعابد اليهود والنصارى والمساجد التي يذكر فيها اسم الله كثيرا. ولو تكاسل المؤمنون وغضوا الطرف عن فساد الطواغيت والمستكبرين ومنحوهم الطاعة، لما أبقى هؤلاء أثرا لمراكز عبادة الله، لأنهم سيجدون الساحة خالية من العوائق، فيعملون على تخريب المعابد، لأنّها تبث الوعي في الناس، وتعبّئ طاقتهم في مجابهة الظلم والكفر.


فَصْلُ الْخِطَابِ

قال تعالى في سورة صاد الآيات من السابعة عشرة إلى العشرين: (..وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (17) إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ (18) وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ ( 19) وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآَتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ (20).

وقد ذُكر في هذه الآيات عشر صفات لداود عليه السلام، آخرها إتيانه فصلَ الخطاب، والتي تعني المنطق القوي والحديث المؤثر والنافذ، والقدرة الكبيرة على القضاء والتحكيم بصورة حازمة وعادلة.

وقد استخدمت عبارة (فصل الخطاب) لأنّ كلمة الخطاب تعني أقوال طرفي النزاع، أما (فصل) فإنها تعني القطع والفصل.

وكما هو معروف فإن أقوال طرفي النزاع لا تقطع إلا إذا حكم بينهم بالعدل، ولهذا فإن العبارة هذه تعني قضائه بالعدل.

وهناك احتمال آخر لتفسير هذه العبارة، وهو أن الله سبحانه وتعالى أعطى داود منطقا قويا يدلل على سموّ وعمق تفكيره، ولم يكن هذا خاصا بالقضاء وحسب، بل في كل أحاديثه التي يدلي بها.

2022-11-08 | 331 قراءة