مفردات قرآنية 5

أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ

يقول تعالى في الآيات من الثلاثين إلى الثالثة والثلاثين من سورة الطور: (أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ * قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ * أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ * أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ).

(الأحلام) جمع حِلم ومعناه العقل، وقيل إنه في الأصل بمعنى ضبط النفس والتجلّد عند الغضب، وهو واحد من دلائل العقل والدراية.

فقد كان سادة قريش يُعرفون بين قومهم بأنّهم (ذوو الأحلام)، ولمّا ظهرت لهم دلائل نبوّة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثمّ اتهموه بالسحر قال لهم القرآن: أيّ عقول لكم هذه التي تدّعي بأن وحي السماء - الذي تكمن فيه دلائل الحق والصدق - شعر أو كهانة؟! وتزعم بأن النبي الذي عُرف بالصدق والأمانة منذ عهد بعيد، شاعر أو مجنون!؟

فبناء على ذلك إنّ هذه التهم والافتراءات ليست ممّا تقول به العقول وتأمر به، بل أساسها الطغيان والتعصب وروح العصيان والتمرد . .


تعضلوهن

ورد هذا التعبير مرتين في القرآن الكريم:

في الآية الثانية والثلاثين بعد المئتين من سورة البقرة في قوله تعالى: (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ..).

وفي الآية التاسعة عشرة من سورة النساء في قوله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آَتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ..).

والعضَل: المنع، والأمر المعضل هو الممتنع بصعوبته.

والمعنى في الآية الأولى: يا أيّها المؤمنون إذا طلّق أحدكم زوجته وانقضت عدّتها، وأرادت الزواج ثانية من زوجها الأول أو من غيره فلا تمنعوها منه، ولا تقفوا في سبيلها إذا تراضيا بينهما بالمعروف، أي عزَما الزواجَ على كتاب اللَّه تعالى وسنّة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم.

والمعنى في الآية الثانية أنّه لا يحلّ للزوج أن يسيء إلى زوجته بقصد أن تبذل له صداقها، لتفتدي نفسها منه ومن سوء معاملته، فإذا بذلت، والحال هذه، وأخذ منها المال فهو آثم، إذ لا يحل مال امرئ إلا عن طيب نفس.


ثَانِيَ عِطْفِهِ

يقول تعالى في الآيتين الثامنة والتاسعة من سورة الحج: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ * ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ).

(ثاني) مشتقة من (ثني) بمعنى التواء، و(عِطف) تعني (جانب)، فالجملة تعني (ثانيَ جانبه)، كناية عن الإعراض عن الشيء وعدم الاهتمام به.

فالآية الأولى تتحدث عمن يجادلون في المبدأ والمعاد جدالا خاويا لا أساس له، فلا هو مستند الى العلم بمعنى الاستدلال العقلي،  ولا إلى هدى وإرشاد القادة الربانيّين، ولا إلى كتاب سماوي. وهي الادلّة الثلاثة هي المعروفة بـ الكتاب والسنّة والدليل العقلي.

ثم تبيّن الآية الثانية أحد أسباب ضلال الواحد من هؤلاء المجادلين الجهلة وهو أنّه يريد أن يضلّ الناس عن سبيل الله بغروره وعدم اهتمامه بكلام الله وبالأدلة العقلية الواضحة.

ويعقب القرآن ذلك ببيان العقاب الشديد لمن كان على هذه الحال بالقول: (له في الدنيا خزي ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق).


ثَجّاجا

 كلمة يتيمة في القرآن الكريم، وردت في الآية الرابعة عشرة من سورة النبأ، في قول الله عز وجل: (وأنزلنا من المُعصرات ماء ثجاجاً). وسياق الآية يبيّن المعنى المراد لوصف الماء بالثجاج وهو السيلان والتدفق، وهو تعبير مستخدم في لغة العرب، فقد جاء في المصادر أنّ الثج هو الصبّ الكثير.

 وقد جاءت كلمة (ثجاجا) وهي وصف بصيغة المبالغة للحديث عن إحدى النعم الكبرى على الانسان، وهي نعمة نزول المطر من السماء بواسطة الغيم، الذي يحمل بخار الماء عذباً من فوق البحار المالحة ليصبّه صبّاً فوق الأراضي العطشى فيحيا به الانسان والحيوان والنبات.

وفي معنى الماء الثجاج ورد قوله تعالى في سورة عبس (أنّا صببنا الماء صبّا)، وفي سورة الجنّ (وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا) 

وفي السيرة أنّ أهل الكوفة شكوا إلى عليّ عليه السلام إمساك المطر وقالوا له: استسق لنا. فقال لابنه الحسين عليهما السلام: قم واستسق، فقام وحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال: اللهم معطيَ الخيرات ومنزل البركات، أرسل السماء علينا مدرارا واسقنا غيثا مغزارا، واسقنا غدقا مجللا، سحا سفوحا ثجاجا تنعش به الضعيف من عبادك، وتحيي به الميت من بلادك آمين يا رب العالمين.

2022-11-08 | 317 قراءة