مفردات غريب القرآن الكريم 7

-المفردات:


- واصباً

- تَجْأَرُونَ

- فَجَاسُواْ

- لَيْسُواْ

- وَلِيُتَبِّرُواْ



1- واصباً:

 

- مَورِد المفردة في القرآن:

قوله تعالى: ﴿وَلَهُ مَا فِي الْسَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيْرَ اللّهِ تَتَّقُونَ﴾[1].

- المعنى اللغويّ:

"الواو والصاد والباء: كلمة تدلّ على دوام شيء. ووصب الشيء وصوباً: دام"[2]. و"الوَصَبُ: السقمُ اللازم، وقد وَصِبَ فلانٌ فهو وَصِبٌ، وأَوْصَبَه كذا، فهو يَتَوَصَّبُ، نحو: يتوجّع. قال تعالى: ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ﴾ (الصافات/ 9)، ﴿وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا﴾... ومعنى الوَاصِبِ الدائم... ووَصَبَ الدينُ: وجب"[3].

- المعنى التفسيريّ:

استعمل القرآن الكريم هذه المفردات بمعنى الدوام واللزوم والانحصار في قوله تعالى: ﴿وَلَهُ مَا فِي الْسَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيْرَ اللّهِ تَتَّقُونَ﴾. فالآية وما بعدها تحتجّ على وحدانيّته تعالى في الألوهيّة، بمعنى المعبوديّة بالحقّ، وأنّ الدين له وحده، ليس لأحد أن يشرِّع من ذلك شيئاً، ولا أن يطاع في ما شرع. وهي في مقام التعليل لقوله تعالى قبل ذلك: ﴿وَقَالَ اللّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ ...﴾, واحتجاج على مضمونها. فإنّه ما في السماوات والأرض من شيء إلا وهو مملوك له بحقيقة معنى الملك، وإذا كان كذلك،

كان هو تعالى المدبّر لأمر العالم، إذ لا معنى لكون العالم مملوكاً له بهذا الملك، ثمّ يستقلّ غيره بتدبير أمره والتصرّف فيه، وينعزل هو تعالى عمّا خلقه وملكه. وإذا كان هو المدبّر لأمره، كان هو الربّ له، إذ الربّ هو المالك المدبّر.

وإذا كان هو الربّ، كان هو الذي يجب أن يُتّقى ويُخضع له بالعبادة. وقوله: وله الدين واصباً، أي دائماً لازماً، وذلك أنّه لمّا كان تعالى هو الربّ الذي يملك الأشياء ويدبّر أمرها - ومن واجب التدبير أن يستنّ العالم الإنسانيّ بسنّة يبلغ بالجري عليها غايته ويهتدي إلى سعادته، وهذه السنّة والطريقة هي التي يسمّيها القرآن ديناً - كان من الواجب أن يكون تعالى هو القائم على وضع هذه السنّة، وتشريع هذه الطريقة، فهو تعالى المالك للدين، وعليه أن يشرّع ما يصلح به التدبير. وقيل: المراد بالدين الطاعة. وقيل: الملك. وقيل: الجزاء. ولكلّ منها وجه غير خفيّ على المتأمّل. والأوجه هو ما تقدّم، لأنّه أوفق وأنسب بسياق ما يحفّ الآية من الآيات السابقة واللاحقة، الباحثة عن توحيد الربوبيّة وتشريع الدين، من طريق الوحي والرسالة[4].


2- تجأرون:

 

- مَورِد المفردة في القرآن:

قوله تعالى: ﴿وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ﴾[5].

- المعنى اللغويّ:

"الجيم والهمزة والراء (أصل)... وهو الصوت"[6]. و"جأر: جَأَرَ يَجْأَرُ جَأْراً وجُؤَاراً: رفع صوته مع تضرّع واستغاثة... وجَأَر الرجلُ إِلى الله عزّ وجلّ: إِذا تضرّع بالدعاءِ"[7]. و"قال تعالى: ﴿فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ﴾، وقال تعالى: ﴿إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ﴾

(المؤمنون/ 64)، ﴿لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ﴾ (المؤمنون/ 65)، جَأَرَ: إذا أفرط في الدعاء والتضرّع، تشبيهاً بجؤار الوحشيّات، كالظباء ونحوها"[8].

- المعنى التفسيريّ:

استعمل القرآن الكريم هذه المفردة بمعنى التضرّع بالدعاء إلى الله تعالى في قوله سبحانه: ﴿وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ﴾. فقد أخبر الله تعالى أنّ جميع النعم في الخلق مرجعها إليه تعالى، وإذا أصاب الناس مرض أو شدّة أو بلاء أو سوء... فإليه تعالى وحده يتضرّعون في كشفه عنهم، وإليه وحده يرفعون أصواتهم بالدعاء والاستغاثة لصرفه عنهم[9].


3- فجاسوا:

 

- مَورِد المفردة في القرآن:

قوله تعالى: ﴿فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولاً﴾[10].

- المعنى اللغويّ:

"الجيم والواو والسين أصل واحد، وهو تخلّل الشيء"[11]. "قال تعالى: ﴿فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدِّيَارِ﴾، أي: توسّطوها وتردّدوا بينها"[12].

- المعنى التفسيريّ:

استعمل القرآن الكريم هذه المفردة بمعنى التخلّل في جمع العدوّ وتوسّطه في قوله تعالى: ﴿ فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ

الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولاً﴾. فبعد أن ذكر الله تعالى أمر بني إسرائيل وإفسادهم في الأرض، أنبأ عن تحقّق وعد لا خلف له، يصيبهم بذلّة ونكال ونقمة على إفسادهم وكفرهم وعتوّهم. ويتنجّز الوعد بتسليط عبادٍ له أولي شوكة وقوّة ونجدة عليهم، فيخلّي بينهم وبين المفسدين من بني إسرائيل ليتخلّلوا جمعهم. وهذا هو الوعد المتنجّز على إفسادهم أوّل مرّة[13].


4- ليسوءوا - وليتبِّروا:

 

- مَورِد المفردتين في القرآن:

قوله تعالى: ﴿إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيرًا﴾[14].

- المعنى اللغويّ:

• "السين والواو والهمزة ... من باب القبح. تقول: رجل أسوأ، أي قبيح، وامرأة سوآء، أي قبيحة... وسُمّيت النار سوأى لقبح منظرها"[15]. و"السوء كلّ ما يغمّ الإنسان من الأمور الدنيويّة والأخرويّة، ومن الأحوال النفسيّة والبدنيّة، والخارجة من فوات مال وجاه وفقد حميم. وقوله: ﴿بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ﴾, أي من غير آفة بها، وفُسِّر بالبرص، وذلك من بعض الآفات التي تعرض لليد. وقال: ﴿إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالْسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾, وعبّر عن كلّ ما يقبح بالسوأى، ولذلك قُوبل بالحسنى، قال: ﴿ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا السُّوأَى﴾, كما قال: ﴿لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى﴾, والسيّئة الفعلة القبيحة، وهي ضدّ الحسنة، قال: ﴿بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً﴾"[16].

• "التاء والباء والراء أصلان متباعد ما بينهما، أحدهما: الهلاك، والآخر: جوهر من جواهر الأرض. فالأوّل قولهم تبّر الله عمل الكافر، أي أهلكه وأبطله"[17]. و"التَّبْر: الكسر والإهلاك، يقال: تَبَرَه وتَبَّرَه. قال تعالى: ﴿إِنَّ هَؤُلاء مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ﴾(الأعراف/ 139)، وقال: ﴿وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا﴾ (الفرقان/ 39)، ﴿وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيرًا﴾ (الإسراء/ 7)، وقوله تعالى: ﴿وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا﴾ (نوح/ 28)، أي: هلاكاً"[18].

- المعنى التفسيريّ:

استعمل القرآن الكريم هاتين المفردتين بمعنى إلحاق السوء بالعدوّ والقضاء عليه في قوله تعالى: ﴿إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيرًا﴾. فبعد أنْ ذكر الله تعالى أمر فساد بني إسرائيل مرّتين، وشمولهم بالعذاب بفعل فسادهم في كلّ مرّة، وعداً عليه محتوماً، أنبأ الله تعالى في هذه الآية أنّ هذه الواقعة - وهي ردّ الكرّة لبني إسرائيل على أعدائهم - إنّما كانت لرجوعهم إلى الإحسان بعدما ذاقوا وبال إساءتهم قبل ذلك. كما أنّ إنجاز وعد الآخرة إنّما كان لرجوعهم ثانياً إلى الإساءة بعد رجوعهم هذا إلى الإحسان. وهذه سنّة الله الجارية في عود العمل في أثره وتبعته إلى صاحبه، إنْ خيراً، وإنْ شرّاً. فإذا أفسد بنو إسرائيل كما أفسدوا أوّل مرّة، تنجّز في حقّهم العذاب والخزي، وقد أنبأ تعالى عن ذلك بغزوهم ودخول ديارهم وبيت المقدس من قِبَل أعدائهم، ملحقين بهم السوء والحزن والغمّ، بالقتل والأسر... حتى يستولوا بذلك على بلادهم، كما استولوا عليها أوّل مرّة، ويدمّروا ويهلكوا ما غلبوا عليه منها تدميراً[19].

-----------------------------------------------------


[1] سورة النحل، الآية 52.

[2] ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج6، ص117، وانظر: ابن منظور، لسان العرب، م.س، ج1، ص797.

[3] الأصفهانيّ، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، ص872.

[4] انظر: الطبرسيّ، مجمع البيان في تفسير القرآن، م.س، ج6، ص165، الطباطبائيّ، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج12، ص270-271.

[5] سورة النحل، الآية 53.

[6] ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج1، ص493.

[7] ابن منظور، لسان العرب، م.س، ج4، ص112.

[8] الأصفهانيّ، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، ص211.

[9] انظر: الطبرسيّ، مجمع البيان في تفسير القرآن، م.س، ج6، ص166، الطباطبائيّ، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج12، ص271-272.

[10] سورة الإسراء، الآية 5.

[11] ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج1، ص495، وانظر: ابن منظور، لسان العرب، م.س، ج6، ص43.

[12] الأصفهانيّ، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، ص212.

[13] انظر: الطبرسيّ، مجمع البيان في تفسير القرآن، م.س، ج6، ص221-222، الطباطبائيّ، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج13، ص39.

[14] سورة الإسراء، الآية 7.

[15] ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج3، ص113.

[16] الأصفهانيّ، مفرددات ألفاظ القرآن، م.س، ص441.

[17] ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج1، ص362.

[18] الأصفهانيّ، مفرددات ألفاظ القرآن، م.س، ص162.

[19] انظر: الطبرسيّ، مجمع البيان في تفسير القرآن، م.س، ج6، ص221-223، الطباطبائيّ، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج13، ص40-41.

 
2022-11-01 | 331 قراءة