مفردات غريب القرآن الكريم 6

-المفردات:


- تَغِيضُ

- مُهْطِعِينَ

- مُقْنِعِي

- صَلْصَالٍ

- حَمَإٍ

- مَّسْنُونٍ



1- تغيض:

 

- مَورِد المفردة في القرآن:

قوله تعالى: ﴿اللّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ﴾[1].

- المعنى اللغويّ:

"الغين والياء والضاد (أصل) أصيل يدلّ على نقصان في شيء وغموض وقلّة. يُقال غاض الماء يغيض: خلاف فاض"[2]. و"غَاضَ الشيء، وغَاضَه غيره، نحو: نقص، ونقصه غيره. قال تعالى: ﴿وَغِيضَ الْمَاء﴾ (هود/ 44)، ﴿وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ﴾ (الرعد/ 8)، أي: تفسده الأرحام، فتجعله كالماء الذي تبتلعه الأرض"[3].

- المعنى التفسيريّ:

استعمل القرآن الكريم هذه المفردة في قوله تعالى: ﴿اللّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ﴾. أخبر الله تعالى في هذه الآية عن علمه بما يحصل في الرحم، وقد اختلفت الأقوال في تحديد المراد من الآية، فقيل: إنّه يعلم ما في بطن كلّ حامل من ذكر أو أنثى، تامّ أو غير تامّ، ويعلم لونه وصفاته، ويعلم الوقت الذي تنقصه الأرحام من المدّة التي هي تسعة أشهر، ويعلم ما تزداد الأرحام في الأجل،

وهو ما ذهب إليه أكثر المفسّرين. وقيل: المراد من قوله: ﴿وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ﴾، أي ما تنقص الأرحام من دم الحيض، وهو انقطاع الحيض. وقوله: ﴿وَمَا تَزْدَادُ﴾، أي تزداد بدم النفاس بعد الوضع. وقيل: علمه تعالى بما تحمل الرحم من الجنين وتحفظه، وأنّ الرحم تستفيد من دم الحيض الذي ينصبّ فيها فتصرفه في غذاء الجنين، وأنّ الرحم تدفع الدم الزائد إلى الخارج، كدم النفاس وغيره من الدماء التي تراها الحامل أيّام الحمل أحياناً[4].

وفي الأقوال المتقدّمة روايات عدّة واردة عن أهل البيت عليهم السلام، منها: عن زرارة عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام في قوله: ﴿مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى﴾، يعني الذكر والأنثى، ﴿وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ﴾، قال: "الغيض ما كان أقلّ من الحمل، وما تزداد: ما زاد على الحمل، فهو مكان ما رأت من الدم في حملها"[5].

وعنه أيضاً عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله: ﴿يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى﴾، قال: "الذكر والأنثى، ﴿وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ﴾، قال: ما كان دون التسعة فهو غيض، ﴿وَمَا تَزْدَادُ﴾، قال: ما رأت من الدم في حال حملها وازداد به على التسعة الأشهر، إنْ كانت رأت الدم خمسة أيّام أو أقلّ أو أكثر، زاد ذلك على التسعة الأشهر"[6].

ويستفاد من بعض الروايات التفسيريّة قولٌ آخر، وهو أنّ المراد علمه تعالى بما في الرحم من ذَكر أو أنثى، وما كان خالياً من الرحم، وما كان فيه زيادة عن الواحد من الذكور أو الإناث، أو من الاثنين معاً.

فعن محمّد بن مسلم وحمران وزرارة عنهما عليهما السلام، قال: ﴿مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى﴾ أنثى أو ذكر، ﴿وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ﴾، قال: ما لم يكن حملاً، ﴿وَمَا تَزْدَادُ﴾، من أنثى أو ذكر[7].

وعن محمّد بن مسلم، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله: ﴿يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ﴾ قال: "ما لم يكن حملاً". ﴿وَمَا تَزْدَادُ﴾، قال: "الذكر والأنثى جميعاً"[8].


2- مهطعين - مقنعي:

 

- مَورِد المفردتين في القرآن:

قوله تعالى: ﴿مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء﴾[9]. 

- المعنى اللغويّ:

• "الهاء والطاء والعين (أصل) أصيل يدلّ على إقبال على الشيء وانقياد"[10]. و"هَطَعَ الرجل ببصره: إذا صوّبه، وبعير مُهْطِعٌ: إذا صوّب عنقه. قال تعالى: ﴿مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ﴾، ﴿مُّهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ﴾ (القمر/ 8)"[11].

• "القاف والنون والعين أصلان صحيحان، أحدهما يدلّ على الإقبال على الشيء، ثمّ تختلف معانيه مع اتّفاق القياس، والآخر يدلّ على استدارة في شيء. فالأوّل: الإقناع والإقبال بالوجه على الشيء... والإقناع مدّ اليد عند الدعاء"[12].

"وأَقْنَعَ (الرجل) رأسه: رفعه. قال تعالى: ﴿مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ﴾. وقال بعضهم: أصل هذه الكلمة من الْقِنَاعِ، وهو ما يغطَّى به الرّأس، فَقَنِعَ، أي: لبس القِنَاعَ ساتراً لفقره، كقولهم: خفي، أي: لبس الخفاء، وقَنَعَ: إذا رفع قِنَاعَه كاشفاً رأسه بالسؤال، نحو خفي إذا رفع الخفاء"[13].

- المعنى التفسيريّ:

استعمل القرآن الكريم هاتين المفردتين، بمعنى مدّ الأعناق وشخوص الأبصار من شدّة الهول يوم القيامة في قوله تعالى: ﴿مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء﴾. فبعد أن ذكر الله تعالى يوم الحساب، ووصفه بأنّه يوم لا يُمهَل فيه الظالمون، ولا يُغفَل فيه عمّا قدّموه في دنياهم، بيّن أنّه في ذلك اليوم تكون أبصارهم شاخصة مفتوحة عن مواضعها، مستجيبة لداعيها الحقّ، لا تغمض ولا تطرف، دائمة النظر، مرفوعة الرأس لشدّة هول ما ترى في ذلك اليوم، فلا يبقى في قلوبهم رجاء خير أو سعادة، بل تمتلىء فزعاً وخوفاً، فتزال عن مواضعها لشدّة الفزع والرعب[14].


3- صلصال - حمأ - مسنون:

 

- مَورِد المفردات في القرآن:

قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ﴾[15].

- المعنى اللغويّ:

• "الصاد واللام أصلان، أحدهما يدلّ على ندى وماء قليل، والآخر على صوت... وسُمّي الخزف صلصالاً لذلك، لأنّه يصوّت ويصلصل"[16]. و"أصل الصَّلْصَالِ: تردُّدُ الصوتِ من الشيء اليابس، ومنه قيل: صَلَّ المسمارُ، وسُمّي الطين الجافّ صَلْصَالًا. قال تعالى: ﴿مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ﴾ (الرحمن/ 14)، ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ﴾"[17].

• "الحاء والميم فيه تفاوت، لأنّه متشعّب الأبواب جدّاً. فأحد أصوله اسوداد، والآخر

الحرارة، والثالث الدنوّ والحضور، والرابع جنس من الصوت، والخامس القصد."[18]. و"الحَمْأَةُ والحَمَأُ: طين أسود منتن، قال تعالى: ﴿مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ﴾"[19].

• "السين والنون أصل واحد مطّرد، وهو جريان الشيء واطّراده في سهولة، والأصل قولهم: سننت الماء على وجهي أسنّه سنّاً، إذا أرسلته إرسالاً، ثمّ اشتقّ منه: رجل مسنون الوجه، كأنّ اللحم قد سنّ على وجهه، والحمأ المسنون من ذلك، كأنّه قد صبّ صبّاً"[20]. و"المسْنون: المُنْتِن"[21]. "وقوله: ﴿مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ﴾"، قيل: متغيّر"[22].

- المعنى التفسيريّ:

استعمل القرآن الكريم هذه المفردات بمعنى الطين اليابس المتغيّر في قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ﴾. فبعدما ذكر الله تعالى مسألة الإحياء والإماتة، والنشأة الثانية، عقّب ذلك ببيان النشأة الأولى، فأخبر أنّ أصل آدم عليه السلام كان من تراب، وذلك قوله: ﴿خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ﴾, ثمّ جُعِلَ التراب طيناً، وذلك قوله: ﴿وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ﴾, ثمّ تُرِكَ ذلك الطين حتّى تغيّر واسترخى، وذلك قوله: ﴿مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ﴾، ثمّ تُرِكَ حتّى جفّ، وذلك قوله: ﴿مِن صَلْصَالٍ﴾. فهذه الأقوال لا تناقض فيها، إذ هي أخبار عن حالاته المختلفة[23].

-------------------------------------------


[1] سورة الرعد، الآية 8.

[2] ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج4، ص405.

[3] الأصفهانيّ، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، ص619.

[4] انظر: الطبرسيّ، مجمع البيان في تفسير القرآن، م.س، ج6، ص13-14، الطباطبائيّ، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج11، ص305-306.

[5] العيّاشيّ، ابن مسعود: تفسير العيّاشيّ، تحقيق وتصحيح وتعليق: هاشم الرسولي المحلّاتي، لا. ط، طهران، المكتبة العلميّة الإسلاميّة، لا ت، ج2، تفسير سورة الرعد، ح11، ص204.

[6] م.ن، ح14، ص205.

[7] م.ن، ح12، ص204-205.

[8] ابن مسعود، تفسير العباسي، ح13، ص205.

[9] سورة إبراهيم، الآية 43.

[10] ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج6، ص56.

[11] الأصفهانيّ، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، ص843.

[12] ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج5، ص22.

[13] الأصفهانيّ، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، ص686.

[14] انظر: الطبرسيّ، مجمع البيان في تفسير القرآن، م.س، ج6، ص88-89، الطباطبائيّ، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج12، ص82.

[15] سورة الحجر، الآية 26.

[16] ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج3، ص276، وانظر: ابن منظور، لسان العرب، م.س، ج11، ص382.

[17] الأصفهانيّ، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، ص488-489.

[18] ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج2، ص23.

[19] الأصفهانيّ، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، ص259.

[20] ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج3، ص60.

[21] ابن منظور، لسان العرب، م.س، ج13، ص227.

[22] الأصفهانيّ، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، ص429.

[23] انظر: الطبرسيّ، مجمع البيان في تفسير القرآن، م.س، ج6، ص113-114، الطباطبائيّ، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج12، ص151.

 
2022-11-01 | 402 قراءة