إنسان بعمر 250 سنة | الامام الحسن (ع).. ضرورة الهدنة والصّلح 02

لقد كانت للصّلح عوامله، ولم يكن بالإمكان تفاديه، فلا مناص منه. يومها لم تكن فكرة شهادة الإمام أمرًا ممكنًا. ويثبت المرحوم الشّيخ راضي آل ياسين، رضوان الله تعالى عليه، في كتابه "صلح الحسن"، تعذّر الشّهادة إذ ذاك ــ وقد ترجمت هذا الكتاب قبل عشرين عاماً وجرى طبعه ـ فليس كلّ قتلٍ شهادة، بل الشّهادة قتلٌ بشروط، ولم تكن تلك الشّروط متوفّرة حينها. ولو قُدّر للإمام الحسن عليه السلام القتل يومذاك لما مات شهيدًا، فقد كان متعذّرًا على أيّ أحد القيام بتحرّكٍ مضمون المصلحة في تلك الظّروف فيُقتل شهيدًا إلّا أن ينتحر.

 

لقد تحدّثنا عن الصّلح بأبعاده المختلفة. والقضيّة الّتي تبلورت الآن هي أنّ الأمر جرى تنظيمه بعد صلح الإمام الحسن المجتبى عليه السلام بذكاءٍ وحنكة بنحوٍ لا يدخل فيه الإسلام والنّهضة الإسلاميّة في نفق الخلافة بما تحمله من مواصفات الملكيّة، وهذا كان فنّ الإمام الحسن المجتبى عليه السلام. فقد قام هذا الإمام بعملٍ جعل تيّار الإسلام الأصيل ـ الذي كان قد انطلق من مكّة ووصل إلى الحكومة الإسلاميّة وإلى زمن أمير المؤمنين، وإلى زمنه هو ـ يسير في مجرًى آخر، غاية الأمر، أنّه وإن لم يكن على شكل حكومة، لأنّ ذلك لم يكن ممكنًا، فعلى الأقل جرى مرّة أخرى على شكل نهضة.

 

كانت هذه المرحلة الثالثة للإسلام. مرّةٌ أخرى، نهض الإسلام، الإسلام الأصيل، الإسلام المقارع للظلم، الإسلام الّذي لا يداهن، الإسلام البعيد عن التحريف والمنزّه من التحوّل إلى ألعوبة تتقاذفها الأهواء والنزوات. لقد بقي، ولكن بقي على شكل نهضة. أي أنّه في زمن الإمام الحسن عليه الصّلاة والسلام، فإنّ الفكّر الثوريّ الإسلاميّ الذي كان قد طوى مرحلة ووصل إلى السّلطة والحكومة، عاد مرّةً أخرى وتحوّل إلى نهضة. وبالطّبع، كانت هذه المرحلة، مرحلة الثورة، أكثر تعقيدًا بمراتب ممّا كانت عليه في زمن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم نفسه، لأنّ الّذين رفعوا الشعارات كانوا ممّن تلبّسوا بزيّ الدّين ولم يكونوا من أهله. وهنا تكمن المشكلة الّتي واجهها أئمّة الهدى عليهم السلام.

 

بالطّبع، من خلال مجمل الآيات وعموم حياة الأئمّة عليهم السلام لقد استنبطُّ ما يلي أنّ هؤلاء العظام عليهم السلام ومنذ صلح الإمام المجتبى عليه السلام وحتى النهاية كانوا دائمًا بصدد إعادة هذه النهضة مجدّدًا لتتّخذ شكل حكومة علويّة وإسلاميّة.ويوجد روايات بهذا الصدد. بالطّبع، يُمكن للبعض الآخر أن لا يرى المسألة على هذا النّحو وأن يراها بنحوٍ آخر، لكنّ تشخيصي هو على هذا الشّكل. كان الأئمّة عليهم السلام يريدون أن يبدّلوا النّهضة مجدّدًا إلى حكومة وتيّارٍ إسلاميٍّ أصيل، وأن يكون هذا التيّار الإسلاميّ بعيدًا عن التلوّن والامتزاج والتلوّث بلوث الأهواء النّفسية، ليمسك بزمام الأمور. بيد أنّ هذا العمل كان عملًا صعبًا.

 


المصدر: كتاب إنسان بعمر 250 سنة، للامام الخامنئي، الفصل الخامس : الإمام الحسن (ع)

2025-04-21 | 10 قراءة