
بعد أن صالح الإمام الحسن معاوية، بدأ الجاهلون عديمو الوعي يذمّونه بمختلف العبارات، حتّى كان بعضهم يُسلّم عليه بـ "مذلّ المؤمنين"، ويقولون له إنّك بصلحك هذا قد أذللت المؤمنين المتحمّسين لقتال معاوية واستسلمت لمعاوية، وفي بعض الأحيان كانوا يستخدمون عبارات أكثر احترامًا وأدبًا، إلا أنّ المضمون كان واحدًا. وقد قام الإمام الحسن عليه السلام في مقابل هذه الاعتراضات والملامات بمخاطبتهم بجملة لعلّها هي الأبلغ في كلّ خطبته: ﴿وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ﴾ . وهي آيةٌ قرآنية، وكأنّه يريد أن يقول: قد يكون ما جرى فتنة لكم وامتحانًا أو إنّه متاعٌ محدود لمعاوية.
وهذا يدلّ دلالة واضحة على أنّ الإمام كان ينتظر المستقبل، وهذا المستقبل لا يمكن أن يكون سوى أنّ الحكومة الّتي لا يُمكن أن تكون مقبولة بنظر الإمام الحسن عليه السلام والّتي هي على غير الحقّ يجب أن تتنحّى جانبًا وتأتي حكومة وفق رأيه. لهذا، كان يقول لهم إنّكم لستم مطّلعين على فلسفة هذا الأمر. فماذا تعلمون؟ لعلّ هناك مصلحة في هذا الأمر.
جاء اثنان في بداية الصّلح من وجهاء الشّيعة - مُسيّب بن نَجَبة وسليمان بن صُرَد - ومجموعة من المسلمين إلى الإمام المجتبى عليه السلام. وقالوا لدينا قوى كثيرة من خراسان ومن العراق وغيرهما، ونحن نضعهم تحت تصرّفك، كما إنّنا مستعدّون لملاحقة معاوية حتّى الشام. فطلبهم عليه السلام إلى خلوةٍ وتحدّث معهم لهنيهة. وبعد أن خرجوا من عنده كانوا هادئين وتركوا قوّاتهم ولم يعطوا لمن كان معهم أيّ جوابٍ واضح. ويدّعي طه حسين بأنّ هذا اللقاء في الواقع قد وضع حجر الأساس لجهاد الشّيعة، أي إنّه يريد القول بأنّ الإمام الحسن عليه السلام قد جلس معهم وشاورهم وأوجد في هذا الاجتماع التّشكيلات الشّيعيّة العظيمة.
بناءً عليه، فإنّ هذا المعنى واضحٌ في حياة الإمام الحسن عليه السلام وفي كلماته، وإن لم تكن أرضيّة مثل هذا القيام مهيّأة في ذلك العصر لأنّ وعي النّاس كان قليلًا والإمكانات المالية للعدوّ وإعلامه كانت كثيرة جدًّا. لقد استعمل العدوّ أساليب ما كان الإمام الحسن عليه السلام ليستعملها، كدفع الأموال دون طائل، وجمع الفاسدين والأشرار وأمثالهم. فلذلك كانت يد معاوية مبسوطة بخلاف الإمام الحسن عليه السلام.
(مجلة پاسدار اسلام، 6)
توجد رواية عن الإمام الباقر عليه السلام يقول فيها: "وُقّت هذا الأمر في السبعين" فبالتقديرات الإلهية إنّ أمر الحكومة يعود إلى أهل البيت حتّى ولو بعد مرور 30 سنة على شهادة أمير المؤمنين عليه السلام و10 سنوات على شهادة الإمام الحسين عليه السلام. إلّا أنّ منتهى الأمر هو كيف يمكن أن تحصل هذه النتيجة بمثل هذه العظمة؟ ذلك عندما يُهيّئ النّاس مقدّماتها بالإرادة والعزم. فالله تعالى لا يُحابي أحدًا، وليس له من أقارب! فالأمر الّذي كان على عاتق النّاس لم يُنجزوه. أمّا العمل الّذي كان على عاتق الإمام الحسن والإمام الحسين عليهما السلام فقد أدّياه، ولكن العمل الّذي كان على عاتق الخواص ــ عبد الله بن جعفر وعبد الله بن عبّاس وغيرهما ــ فلم يتمّ. حتّى أولئك الّذين جاؤوا فيما بعد إلى كربلاء وحاربوا مع الإمام الحسين عليه السلام فلم يقوموا بما كان ينبغي عليهم القيام به في زمان مسلم، لقد قصّروا، وإلّا لما حدث لمسلم ما حدث. كان عليهم أن ينهوا المسألة ولم يفعلوا. وهذا التقصير أدّى إلى أن تحدث واقعة كربلاء.
ثمّ يقول عليه السلام: "فلمّا أن قُتل الحسين صلوات الله عليه اشتدّ غضب الله تعالى على أهل الأرض فأخّره إلى أربعين ومائة" . أي أنّه في الظاهر قد تأخّر. وبرأيي قد وصل إلى سنة 140أي أنّه تأخّر سبعين سنة. وهي السّنوات الّتي وصل فيها العبّاسيّون إلى السّلطة... أي من المعلوم أنّ صلح الإمام الحسن عليه السلام، قد هيّأ الأرضيّة لهذا العمل الكبير وإلا فإنّ الأئمّة عليهم السلام لم يكونوا ليتركوا القضيّة. فهل أنّ قضية الولاية والحكومة هي قضيّة بسيطة؟! لقد كان هذا أساس الدّين ومحوره. ولكن هذا ما حدث في النّهاية.
(11/04/1990)
المصدر: كتاب إنسان بعمر 250 سنة، للامام الخامنئي، الفصل الخامس : الإمام الحسن (ع)