
إنّه خليفة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم الّذي يقع في عصره هذا الانحراف بشرط أن يكون الوقت مناسبًا للقيام بذلك، لأنّ الله لا يُكلّف بشيء لا فائدة فيه. بالطّبع، الوقت المناسب لا يعني عدم وجود الخطر، كلّا، ليس هذا هو المقصود، فمعنى هذه العبارة، هو أن يعلم الإنسان أنّ هذا العمل الّذي يقوم به تترتّب عليه نتيجة، أي إبلاغ النّداء إلى النّاس وإفهامهم وعدم بقائهم على خطئهم.
وربّما أنّ الإسلام في عصر الإمام الحسين عليه السلام قد تعرّض للتحريف وكان الوقت مناسبًا والأرضيّة ممهّدة، لذا وجب على الحسين عليه السلام أن يثور. فالشّخص الّذي تولّى السّلطة بعد معاوية لم يُراعِ حتّى ظواهر الإسلام. وكان منغمسًا في الخمر والمجون والتهكّم على القرآن وترويج الشّعر المخالف للقرآن والّذي يتهجّم على الدّين ويُجاهر بمخالفة الإسلام، غاية الأمر، لأنّ اسمه رئيس المسلمين لم يُرد أن يحذف اسم الإسلام. فهو لم يكن عاملًا بالإسلام ولا محبّاً له، وكان بعمله هذا كنبع الماء الآسن الّذي يُفسد ما حوله ويعمّ المجتمع الإسلاميّ.
هكذا يكون الحاكم الفاسد، فبما أنّه يتربّع على قمّة المرتفع، فما يصدر عنه لا يبقى في مكانه، بل ينتشر ليملأ ما حوله، خلافًا للنّاس العاديّين حيث يبقى فسادهم لأنفسهم أو لبعضٍ ممّن حولهم. وكلّ من شغل مقامًا ومنصبًا أرفع في المجتمع الإسلاميّ كان ضرره وفساده أكبر. لكن لو فسد من يقع على رأس السّلطة لانتشر فساده وشمل كلّ الأرض، كما أنّه لو كان صالحًا، لامتدّ الصّلاح إلى كلّ مكان. فشخصٌ مفسدٌ كهذا أصبح خليفة المسلمين بعد معاوية، وخليفة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ! فهل هناك انحرافٌ أكبر من هذا؟ هل أنّ معناه عدم وجود الخطر؟ كلّا، فالخطر موجود. فلا معنى أن يبقى من هو على رأس السّلطة ساكتًا أمام معارضيه ولا يخلق لهم المخاطر، بل من البديهيّ أن يوجّه لهم الضّربات، فعندما نقول الوقت المناسب، فمعناه أنّ الظروف في المجتمع الإسلاميّ مؤاتية لأن يُبلّغ الإمام الحسين عليه السلام نداءه إلى النّاس في ذلك العصر وعلى مرّ التاريخ.
فلو أراد الإمام الحسين عليه السلام الثّورة في عصر معاوية لدُفن نداؤه، وذلك لأنّ وضع الحكم في زمن معاوية والسياسات كانت بحيث لا يُمكن للنّاس معها سماع قول الحقّ، لذلك لم يقل الإمام الحسين عليه السلام شيئًا طيلة السّنوات العشر الّتي كان فيها إمامًا في زمن معاوية، فهو لم يفعل شيئًا ولم يُقدم ولم يثُر لأنّ الظّروف لم تكن مؤاتية. الإمام الحسن عليه السلام كان قبله ولم يثر لأنّ الظروف لم تكن مؤاتية أيضًا، لا أنّ الإمام الحسن عليه السلام لم يكن أهلًا لذلك. فلا فرق بين الإمام الحسن عليه السلام والإمام الحسين عليه السلام، ولا بين الإمام الحسين عليه السلام والإمام السجّاد عليه السلام،
ولا بين الإمام الحسين عليه السلام والإمام علي النقيّ عليه السلام أو الإمام الحسن العسكريّ عليه السلام. بالطّبع، فإنّ منزلة الإمام الحسين عليه السلام - الّذي أدّى هذا الجهاد - هي أرفع من الّذين لم يؤدّوه، لكنّهم سواء في منصب الإمامة. ولو وقع هذا الأمر في عصر أيّ إمام، لثار ذلك الإمام ونال تلك المنزلة. فالإمام الحسين عليه السلام واجه مثل هذا الانحراف وكانت الظّروف مؤاتية، فلا محيص له عليه السلام من تأدية هذا التكليف، فلم يبقَ هناك أيّ عذر.
لهذا، عندما قال له عبد الله بن جعفر، ومحمد ابن الحنفية، وعبد الله بن عباس - الّذين كانوا من العلماء والعارفين بأحكام الدين ولم يكونوا من عامّة النّاس - إنّ تحرّكك فيه خطرٌ فلا تذهب، أرادوا أن يقولوا: إنّ التكليف قد سقط عنك لوجود الخطر، لكنّهم لم يُدركوا أنّ هذا التكليف ليس بالتكليف الّذي يسقط بوجود الخطر، لأنّ مثل هذا التكليف فيه خطر دومًا، فهل يمكن لإنسان أن يثور ضدّ سلطة مقتدرة في الظاهر ولا يواجه خطرًا؟!
إنّ العمل الّذي جرى في زمن الإمام الحسين عليه السلام كانت نسخته المصغّرة في عصر إمامنا الخميني قدّس سره، غاية الأمر أنّه هناك انتهى إلى الشّهادة وهنا انتهى إلى الحكم، فهما أمرٌ واحدٌ ولا فرق بينهما. فقد كان هدف الإمام الحسين عليه السلام وهدف إمامنا الجليل واحدًا، وهذا الأمر يُشكّل أساس معارف الإمام الحسين عليه السلام، وإنّ المعارف الحسينيّة تُمثّل قسمًا عظيمًا من معارف الشّيعة. فهذا أصلٌ مهمّ وهو نفسه من أركان الإسلام.
فالهدف كان عبارة عن إرجاع الإسلام والمجتمع الإسلاميّ إلى الصراط المستقيم والخطّ الصحيح. ففي أيّ زمان؟ في الوقت الّذي تبدّل الطّريق، وانحرف المسلمون نتيجة جهل وظلم واستبداد وخيانة بعض القوم. بالطّبع، إنّ التّاريخ يمرّ بمراحل مختلفة، فأحيانًا تكون الظّروف مؤاتية وأحيانًا لا تكون. وفي زمن الإمام الحسين عليه السلام كانت الظروف مؤاتية وفي زمننا كذلك، فأقدم الإمام على العمل نفسه، وكان الهدف واحداً.
غاية الأمر، عندما يكون الإنسان متّجهًا نحو هذا الهدف ويريد الثّورة على الحكومة ومركز الباطل من أجل إرجاع الإسلام والمجتمع والنّظام الإسلاميّ إلى موقعه الصحيح، تارةً يصل إلى الحكومة، وأخرى لا يصل إلى الحكومة بل يصل إلى الشهادة، ألا يكون القيام في هذه الصّورة واجبًا؟ فلو وصل إلى الشهادة لكان واجباً أيضًا. فهل أنّه في هذه الصّورة التي وصل فيها إلى الشهادة، لا يكون للقيام فائدة؟ لمَ لا، فلا يوجد أيّ فرق. فهذا القيام وهذا التحرّك مفيدٌ في كلا الحالتين، سواءٌ وصل إلى الشّهادة أم وصل إلى الحكومة، غاية الأمر أنّ لكلّ منهما نوعًا خاصًّا من الفوائد يجب القيام به والتحرّك نحوه.
فهذا هو العمل الّذي قام به الإمام الحسين عليه السلام. غاية الأمر، أنّ الإمام الحسين عليه السلام هو أوّل من قام بهذا التحرّك، ولم يقم به أحدٌ قبله، لأنّه في زمن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين عليه السلام ما كانت مثل هذه الأرضيّة والانحراف موجودين، أو إذا كان هناك انحراف في بعض الموارد فلم تكن الأرضيّة مناسبة ولا المقتضى موجوداً(للثورة)، أمّا في زمن الإمام الحسين عليه السلام، فكلا الأمرين قد وُجدا، فهذا هو أساس القضيّة في مورد نهضة الإمام الحسين عليه السلام.
المصدر: كتاب إنسان بعمر 250 سنة، للامام الخامنئي، الفصل السادس: الإمام الحسين (ع)