نزول القرآن (3)

1- السورة في القرآن:
أ- معنى السورة:

السورة من العلو والارتفاع, بمعنى رفعة المقام والمنزلة ، أو من الإحاطة, كإحاطة السور بالمدينة . 

والسورة في القرآن عبارة عن مجموعة من آيات القرآن ذات مطلع ومقطع, وهي مأخوذة من أحد المعنيين المتقدّمين .

ب- ترتيب السور داخل المصحف:

اختلف الباحثون على ترتيب السور داخل المصحف إلى قولين:
- القول الأوّل: توقيفية ترتيب السور داخل المصحف: ذهب أصحاب هذا القول إلى أنّ لترتيب وضع السور في المصحف أسباب تطّلع على أنّه توقيفي صادر عن حكيم ، منها:
- موافقة أوّل السورة لآخر ما قبلها, كآخر الحمد في المعنى وأوّل البقرة.
- انسجام الوزن في اللفظ, كآخر "تبت" وأوّل الإخلاص.
- مشابهة جملة السورة لجملة الأخرى مثل ﴿وَالضُّحَى﴾ و ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ﴾.

والواقع: أنّ هذه الأسباب مجرّد استنسابات لا تصلح دليلاً على توقيفية ترتيب السور داخل المصحف.

- القول الثاني: عدم توقيفية ترتيب السور داخل المصحف: ذهب أصحاب هذا القول إلى أنّ ترتيب السور إنّما هو من الصحابة في الجمعين الأوّل والثاني بعد رحيل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ومن الدليل عليه:
- ما روي: مِن وضع عثمان الأنفال وبراءة بين الأعراف ويونس، وقد كانتا في الجمع الأوّل متأخّرتين.
- ما ورد من مغايرة ترتيب مصاحف سائر الصحابة للجمع الأوّل والثاني كليهما.
- ما روي: مِن أنّ مصحف الإمام علي عليه السلام كان مرتّباً على ترتيب النزول، فكان أوّله اقرأ، ثمّ المدثّر...
- ما روي: مِن أنّ ترتيب سور مصحفي أُبَي بن كعب وعبدالله بن مسعود يغايران المصحف الموجود.

ج- عدد سور القرآن:

روي عن الإمام علي عليه السلام أنّه قال: "سألت النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن ثواب القرآن... ثمّ قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: جميع سور القرآن مائة وأربع عشرة سورة" .

د- فوائد تقسيم القرآن إلى سور:

إنّ لتقسيم القرآن إلى سور فوائد عدّة ، أبرزها:
- مراعاة الأهداف والموضوعات المختلفة في القرآن.
 - السهولة في تعلم القرآن وحفظه وقرائته.
- صيانة القرآن من التحريف من خلال تسهيل عملية الحفظ.
- تعذّر الإتيان بمثيل للقرآن حتى بالنسبة إلى أقصر سورة، دون اقتصار التحدّي على كبار السور.

هـ- تبويب السُور:

اشتهر بين المسلمين منذ عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم تبويب السور القرآنية ضمن مجموعات، بحيث تضمّ كلّ منها مجموعة من السور، حيث روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "أُعطيت مكان التوراة، السبع الطول، وأعطيت مكان الزبور، المئين، وأعطيت مكان الإنجيل المثاني، وفضلت بالمفصَّل" ، ومن هذه المجموعات من السور المبوّبة:
- السبع الطول: أطول سبع سور في القرآن، وهي: البقرة، آل عمران، النساء، المائدة، الأنعام، الأعراف. ووقع الاختلاف في تحديد السورة السابعة, فنقل عن سعيد بن جبير أنّها سورة يونس، وقال آخرون أنّها سورة الكهف.

- المئون: أقصر من السبع الطوال، وتزيد سورها على مائة آية، وهي: التوبة، النحل، هود، يوسف، الكهف، الإسراء، الأنبياء، طه، المؤمنون، الشعراء، الصافات.

- المثاني: السور التي يقلّ عدد آيات كلّ منها عن المائة، وهي عشرون سورة تقريباً، وسميت بهذا الاسم لأنها ثنّت المئون, أي كانت بعدها. وورد في تسميتها بذلك وجوه أخرى.

- المفصّل: قصار السور. وسمّيت بذلك لكثرة الفصول التي بين السور بالبسملة، وآخر سورة في المفصّل هي سورة "الناس" بلا خلاف، ولكن وقع الخلاف حول أوّل سورة فيه، على اثني عشر رأياً، أهمّها اثنان: الأوّل: أنّها "سورة الحجرات" ، والثاني: أنّها "سورة ق", وهو الأصحّ عند أهل الأثر .

و- أسماء السور:
- أسباب تسمية السور:

يوجد أسباب عدّة كانت بمثابة الداعي لتسمية سور القرآن ، منها:
- تسمية السورة بحسب الموضوع الغالب أو البارز الذي تتعرّض له، مثل: سورة النساء، الحج، التوحيد، الأنبياء، الأحزاب، المؤمنون، المنافقون، الكافرون.
- تسمية السورة باسم النبي أو الشخص الوارد اسمه فيها، مثل: نوح، هود، إبراهيم، يونس، يوسف، سليمان، محمد، لقمان، مريم، آل عمران، المؤمن، الكهف.
- تسمية السورة بحسب الحروف المقطعة الواردة في مطلعها، مثل: ق، ص، يس، وطه.
- تسمية السورة بأسماء بعض الحيوانات الوارد ذكرها فيها، مثل: البقرة، النحل، النمل، العنكبوت.
- تسمية السورة بحسب أبرز أقسامها، مثل: سورة الجمعة، الفتح، الواقعة، الحديد، المطففين.
- تسمية السورة بما ورد القسم به فيها، مثل: الفجر، الشمس، الضحى، التين، العاديات.

وتجدر الإشارة إلى أنّ المعيار الأساس في تسمية السور يدور مدار أهمّيّة الموضوع الذي تطرحه على الأعمّ الأغلب، وليس على نحو الموجبة الكلّيّة.

 - نماذج من أسماء السور :
- السور التي لها اسم واحد فقط، وهي أغلب سور القرآن.
- بعض السور التي لها اسمان: البقرة = فسطاط القرآن, النحل = النعم, حم عسق = الشورى, الجاثية = الشريعة, القتال = محمد, الرحمن = عروس القرآن.
- بعض السور التي لها ثلاثة أسماء: المائدة = العقود = المنقذة, غافر = الطول = المؤمن.
- بعض السور التي لها أربعة أسماء: براءة = التوبة = الفاضحة = الحافرة.
- بعض السور التي يزيد عدد أسمائها على عشرين اسماً: الفاتحة = الحمد = أم الكتاب = أم القرآن السبع المثاني = الوافية = الكنز = الكافية = الأساس الشفاء = الشافية = الصلاة...

 

2- المكّي والمدني:
أ- فائدة التقسيم إلى مكي ومدني: إنّ لتقسيم السور والآيات إلى مكي ومدني فوائد عدّة ، أبرزها:
- المساهمة في بعض الأبحاث المتعلّقة بالدعوة النبوية وسيرها الروحي والسياسي والمدني في زمنه صلى الله عليه وآله وسلم وتحليل سيرته الشريفة.

- الاطّلاع على كيفية نزول الأحكام التشريعية وتدرّجها.

- المساهمة في بعض الأبحاث القرآنية والعقدية والتاريخية، من قبيل: بحث إمكانية نسخ القرآن بالقرآن، وبحث مسألة الإمامة وما يرتبط بها من حوادث تاريخية, كحادثة غدير خم...

- الوقوف على أحد أبعاد إعجاز القرآن الكريم وتعذّر تحريفه، من خلال التأمّل والتدبّر في خصائص السور المكية والمدنية وضبط تاريخ نزولها.

- المساهمة في معرفة الخاصّ والعامّ، والمطلق والمقيّد، والناسخ والمنسوخ.

ب- ضوابط معرفة المكي والمدني: اهتمّ العلماء والمفسّرون بحديد ضابطة معيارية لتعيين الآيات المكية والآيات المدنية، واختلفوا في تحديد الضابطة الصحيحة لذلك، على ثلاثة أقوال رئيسة :
- الضابطة الزمانية: كلّ ما نزل قبل الهجرة أو أثنائها قبل الوصول إلى المدينة فهو مكي، وكلّ ما نزل بعد الهجرة - حتى وإن نزل في مكة - فهو مدني.
- الضابطة المكانية: كلّ ما نزل في مكة وضواحيها مكي، وكلّ ما نزل في المدينة وضواحيها مدني. وعلى هذا الأساس يوجد آيات لا هي مكية ولا مدنية.
- الضابطة الخطابية: الآيات والسور التي ورد فيها خطاب "يا أيها الناس..." مكية، والآيات والسور التي ورد فيها خطاب ﴿الَّذِينَ آمَنُواْ...﴾ مدنية.

والمشهور عند المفسّرين اختيار الضابطة الأولى في التمييز بين السور المكية والمدنية. وأضاف العلامة الطباطبائي قدس سره على هذه الضابطة قيداً مُفاده: أنّ الآيات مكيّة كانت أم مدنية، يُعتمد فيها على التدبّر في سياقها وما تحوي من مضامين، فإذا شهد السياق بأنّ مضامين هذه الآيات تناسب ما كان يجري عليه الحال في مكة أو المدينة, فهي مكية أو مدنية .

ج- خصائص السور المكية والمدنية:

ذُكِرَت خصائص ومميزات عدّة لكلّ من السور والآيات المكية والمدنية، هي:

- خصائص السور المكية :
- صغر حجم السور وقصر آياتها وإيجاز خطابها.
- الدعوة إلى أصول العقيدة, كالإيمان بالله وتوحيده ويوم القيامة والحساب.
- شدة لهجة الآيات، وأسلوبها التقريعي، ولا سيما في مجادلة المشركين وتفنيد معتقداتهم.
- الدعوة إلى القيم الدينية والأخلاقية العالية, كالمحبة، والصدق، والإخلاص، وبرّ الوالدين...
- كثرة استعمال خطاب ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ﴾.
- كثرة ذِكر قصص الأنبياء السابقين عليهم السلام وأممهم.
- كثرة ورود القسم فيها, كالقسم بالله، ويوم القيامة...

- خصائص السور المدنية :
- كثرة تشريع آيات الأحكام في ما يتعلّق بالفرد والمجتمع, من حدود وفرائض ومعاهدات وإرث...
- طول حجم السور والآيات.
- التصدّي لمواجهة المنافقين ومجابهتهم وفضحهم.
- كثرة ورود آيات الجهاد.
 - كثرة استخدام الأدلّة والبراهين على الحقائق الدينية.
د- ترتيب النزول: تمّ الاعتماد فيه على عدّة روايات متّفق عليها، وعَمدتها رواية ابن عبّاس، مع استكمال ما سقط منها من رواية جابر بن زيد وغيره، وكذا نصوص تاريخية معتمدة. والنظر في هذا العرض كان إلى مفتتح السوَر، فالسورة إذا نزلت من أوّلها بضْع آيات، ثمّ نزلت أخرى، وبعدها اكتملت الأُولى، كانت الأُولى متقدّمة على الثانية في ترتيب النزول، حسب هذا المصطلح :

 

ترتيب نزول السور المكية (86 سورة):

  
 

ترتيب نزول السور المدنية (26 سورة):

 

عدد سور القرآن الكريم وآياته وكلماته حسب تقسيم السور المكية والمدنية:


الأفكار الرئيسة


1- السورة في اللغة بمعنى العلو والارتفاع والإحاطة. وفي الاصطلاح عبارة عن مجموعة من آيات ذي مطلع ومقطع.
2- ترتيب السور داخل المصحف ليس توقيفياً، بل باجتهاد الصحابة. وعدد سور القرآن: 114 سورة.
3- من فوائد تقسيم القرآن إلى سور: مراعاة الأهداف والموضوعات المختلفة في القرآن، السهولة في تعلم القرآن وحفظه وقرائته، صيانة القرآن من التحريف من خلال تسهيل عملية الحفظ...
4- تبويب السُور: السبع الطول، المئون، المثاني، المفصّل.
5- تسمية السور أمر اجتهادي وليس توقيفياً.
6- المعيار الأساس في تسمية السور يدور مدار أهمّيّة الموضوع الذي تطرحه على الأعمّ الأغلب...
7- من فوائد التقسيم إلى مكي ومدني: المساهمة في بعض الأبحاث المتعلّقة بالدعوة النبوية، الاطّلاع على كيفية نزول الأحكام التشريعية وتدرّجها، المساهمة في بعض الأبحاث القرآنية والعقدية والتاريخية...
8- ضوابط معرفة المكي والمدني: اختلفوا في تحديد الضابطة على ثلاثة أقوال رئيسة: الضابطة الزمانية، الضابطة المكانية، الضابطة الخطابية. والمشهور عند المفسّرين اختيار الضابطة الأولى.
 


مطالعة

 

آيات مُستَثْنيات!!
ذكر بعض الباحثين في علوم القرآن والتفسير استثناء آيات من سوَر تُخالفها في النزول، غير أنّه اعتمد في الأكثر على روايات ضعيفة، مع العلم أنّ غالبية القائلين بهذه الاستثناءات قالوا بها عن حدَس أو اجتهادٍ في الرأي، من غير أن يستندوا إلى نصٍّ صحيح مأثور. والصحيح أنّ الآيات تتبع مفتتح سورها لجهة التصنيف مكياً أم مدنياً، وما يدّعى خروجه يحتاج إلى دليل. ومن الآيات التي ادُّعي استثناؤها:
1- قوله تعالى: ﴿فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ﴾ : فقيل: إنّها نزلت بمكّة بشأن المشركين أيام كان المسلمون ضعفاء، مع أنّ سورة البقرة سورة مدنية.

الجواب: روي أنّها نزولت بشأن جماعة من أهل الكتاب في أوائل الهجرة حين وفود النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة .

2- قوله تعالى: ﴿يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ﴾ ، حيث قيل: إنّها مكّية .

الجواب: إنّ سياق الآية ومضمونها يشهدان عاى أنّها نزلت بالمدينة, فهي من آيات الأحكام المتعلّقة بالإرث, وهو لم يشرّع إلا في المدينة . هذا فضلاً عن وجود اختلاف بين الروايات في سبب نزولها، وبعض هذه الروايات (رواية جابر)
 أفاد أنّها نزلت بالمدينة . وغيرها آيات أُخَر ادّعي استثناؤها .
 


المصادر والمراجع


1- القرآن الكريم.
2- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، ج3، ص115.
3- الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، ص434.
4- الزركشي، البرهان في علوم القرآن, ج1، ص187-191، 193-194، 244-248، 260، 263-264، 269-272.
5- الزرقاني، مناهل العرفان في علوم القرآن، ج1، ص159-163، 166-168، 285-287.
6- الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج11، ص285, ج12، ص126-127, ج13، ص235.
7- الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن، ج10، ص212.
8- ابن حنبل، مسند أحمد، ج4، ص107.
9- الطباطبائي، القرآن في الإسلام، ص168-169.
10- الصالح، مباحث في علوم القرآن، ص233.
11- الرومي، دراسات في علوم القرآن الكريم، ص146.
12- معرفة، التمهيد في علوم القرآن، ج1، ص162-163، 167-170.
 

2020-11-23 | 3361 قراءة