جمع القرآن (4)

1- اختلافُ المصاحف:
بعد رحيل النبي صلى الله عليه وآله وسلم انبرى عدد من الصحابة لجمع القرآن خوفاً عليه من الضياع، فقام كلّ واحد منهم بجمعه وفق ترتيب خاصّ ضمن مصحف جامع. وبفعل اختلاف قابليات كلّ واحد منهم واستعداداته وقدراته, اقتضت طبيعة الحال وقوع الاختلاف بين هذه المصاحف. وقد أدّى هذا الاختلاف بين المصاحف إلى اختلاف الناس في ما بينهم، نظراً لأنّ كلّ قطر من أقطار الدولة الإسلاميّة آنذاك أضحى يقرأ بقراءة تختلف عن قراءة الأقطار الأخرى, تبعاً لقراءتهم على مصحف دون آخر.

وروي في غزْو مرج أرمينية: أنّه بعد ما رجع حذيفة من غزو الباب (مرج أرمينية ـ آذربيجان) قال لسعيد بن العاص, وكان بصحبته: لقد رأيت في سفري هذا أمراً لئن تُرِك ليختلفنَّ في القرآن، ثمَّ لا يقومون عليه أبداً! قال سعيد: وما ذاك؟ قال: رأيت أُناساً من أهل حمْص يزعمون أنَّ قراءتهم خير من قراءة غيرهم، وأنَّهم أخذوا القرآن عن المقداد، ورأيت أهل دمشق يقولون: إنَّ قراءتهم خير من قراءة غيرهم، ورأيت أهل الكوفة يقولون مثل ذلك, وأنَّهم قرأوا على ابن مسعود، وأهل البصرة يقولون مثل ذلك, وأنَّهم قرأوا على أبي موسى الأشعري ويسمّون مصحفه "لُباب القلوب". فلمّا وصل ركْب حذيفة وسعيد إلى الكوفة أخبر حذيفة الناس بذلك وحذَّرهم ما يخاف، فوافقه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكثير من التابعين. وقال له أصحاب ابن مسعود: ما تُنكر، ألسنا نقرأه على قراءة ابن مسعود؟! فغضب حذيفة ومَن وافَقه، وقالوا: إنَّما أنتم أعراب فاسكتوا، فإنَّكم على خطأ، وقال حذيفة: والله لئن عشتُ لآتيَنّ أمير المؤمنين ـ يعني عثمان ـ ولأُشيرنَّ عليه أن يحُول بين الناس 
وبين ذلك. فأغلظ له ابن مسعود، فغضب سعيد وقام، وتفرّق الناس، وغضب حذيفة وسار إلى عثمان، فأخبره بالذي رأى، وقال أنا النذير العريان فأدركوا الأمّة. فجمع عثمان الصحابة وأخبرهم الخبر، فأعظموه ورأوا جميعاً ما رأى حذيفة....

وقد ذكر أصحاب السير والتاريخ حوادث أخرى مشابهة لهذه الحادثة , استدعت التفكير مليّاً بالقيام بتوحيد المصاحف.

 

2- واقع توحيد المصاحف:
أمام هذا الواقع من الاختلاف بين الناس في أمر القرآن، عزم عثمان عام 25 للهجرة  على تنفيذ مهمّة توحيد المصاحف، فأرسل إلى كلِّ أُفُق مَنْ يجمع المصاحف أو الصحف التي فيها قرآن، حتّى جُمِعَت، ثمَّ سلَقها بالماء الحار والخلّ، وقيل: أحرَقها، فلم يبقَ مصحف إلاّ فعل به ذلك، خَلا مصحف ابن مسعود، فامتنع أن يدفع مصحفَه إلى عبد الله بن عامر، فكتب إليه عثمان أن أشخِصه .

وتجدر الإشارة إلى أنّ إجراء حرق المصاحف من قِبَل عثمان أدّى إلى ضياع كثير من الإشارات والتوضيحات المتعلّقة بنزول الآيات، ومكان نزولها، ومن نزلت فيهم، وناسخها ومنسوخها، ومحكمها ومتشابهها..., كما كان يبيّنها النبي صلى الله عليه وآله وسلم للصحابة، والتي كانوا يكتبونها على هامش مصاحفهم.

ومن ثمّ أرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا الصُحُف ننسخها في المصاحف، ثمّ نردّها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، ثمّ ندب لمهمّة توحيد المصاحف نفراً يخصّونه، ليشكّلوا نواة لجنة توحيد المصاحف، وهم أربعة: زيد بن ثابت (وهو من الأنصار)، وسعيد بن العاص، وعبد الله بن الزبير، وعبد الرحمان بن الحارث بن هشام (وهم قرشيّون) .

وكان ابتداء الأمر في عمل اللجنة لزيد وسعيد، حيث سأل عثمان: مَن أكتَبُ الناس؟ قالوا: زيد، ثمَّ قال: فأيُّ الناس أفصح؟ قالوا: سعيد، فقال: فليُملِ سعيد، وليكتُب زيد .

وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن, فاكتبوه بلسان قريش, فإنّه إنّما نزل بلسانهم, ففعلوا .

ولكنّ هؤلاء الأربعة لم يستطيعوا القيام بالأمر لوحدهم، ومن ثمَّ استعانوا: بأُبيّ بن كعب، وأنس بن مالك، وعبد الله بن عبّاس، إلى تمام الاثني عشر رجلاً، فكان أُبَي بن كعب يُملي عليهم ويكتب الآخرون .

وكان التساهل في مهمّة توحيد المصاحف واضحاً وجليّاً، حيث وردت في المصحف العثماني أخطاء ومناقضات إملائية لا يستهان بها، حيث إنَّهم عندما فرغوا من نَسْخ المصاحف أتَوا به إلى عثمان، فنظر فيه فقال: قد أحسنتم وأجملتم، أرى فيه شيئاً من لَحْن! لكن ستُقيمه العرب بألسنتها، ثمَّ قال: لو كان المُملي من هُذَيل، والكاتب من ثقيف لم يوجد فيه هذا! .

هذا مع وجود بعض الاختلافات بين النسخ المُرسلة إلى الآفاق الإسلامية, من قبيل: قرأ ابن عامر, وهو مقرىء الشام: ﴿جَآؤُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ﴾  بالباء (بالزبر), لأنّ مصحف الشام فقط كانت فيه زيادة الباء، وقرأ الباقون بغير باء, لخلو
 مصاحفهم عن زيادة الباء . وقرأ ابن عامر ونافع: ﴿وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ?  بدون واو(وسارعوا), لعدم اشتمال مصحفي الشام والمدينة عليها، بينما قرأ الباقون من القرّاء بالواو, لاشتمال مصاحفهم عليها .

واختلف المؤرِّخون في عدد المصاحف الموحّدة التي أُرسلت إلى الآفاق، فذهب البعض إلى أنّها كانت ستَّة حسب الأمصار المهمَّة: المكي، والشامي، والبصري، والكوفي، والمدني العامّ، والمدني الخاصّ الذي حبسه عثمان لنفسه وكان النسخة الأمّ أو الإمام التي يرجع إليها عند الاختلاف في مصاحف الأمصار، وقيل ثمانية: الكوفي، والبصري، والشامي، والمدني العام، والمدني الخاصّ، وثلاثة مختلف فيها هي: المكي، ومصحف البحرين، ومصحف اليمن. وقيل: إنّ عثمان أنفذ إلى مصر مصحفاً . وأوفد عثمان قارئاً مع كلّ نسخة كان يرسلها إلى كلّ إقليم, يوافق قراءتهم، واختار زيد بن ثابت مُقرءاً للمدينة .

وقد أبدى الصحابة رضاهم بفكرة توحيد المصاحف، إلا ابن مسعود لم يكن راضياً عن هذا الإجراء . ولعلّ عدم رضاه راجع إلى استبعاده من لجنة توحيد المصاحف, وهو الذي كان يتلقّى القرآن من فم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأجدر بهذا الأمر من زيد بن ثابت .

ونُقِلَ عن الإمام علي عليه السلام تأييده لفكرة توحيد المصاحف، بقوله: "فوالله ما فعَل عثمان الذي فعَل في المصاحف إلاّ عن مَلأ منّا، استشارنا في أمر القراءات، وقال: بلَغني أنَّ بعضهم يقول: قراءتي خير من قراءتك، وهذا يكاد يكون كُفراً، قلنا: فماذا رأيت؟ قال: أرى أن يُجمَع الناس على مصحفٍ واحد، فلا تكون فُرْقة ولا اختلاف. قلنا: فنِعمَ ما رأيت" .

وكان الإمام علي عليه السلام حريصاً على الالتزام بما نتج عن لجنة توحيد المصاحف, حِفاظاً على كتاب الله من أن تمسَّه يد التحريف في ما بعد تحت ذريعة الإصلاح، حيث سأله بعض الناس عن إمكانية تغيير كلمة فيه، فأجابهم عليه السلام بحزم: "إنَّ القرآن لا يهاج اليوم ولا يحوَّل".

 

3- خصائص المصاحف العثمانية:
أ- الترتيب:
موافقتها لترتيب المصحف الموجود الذي بين أيدينا ، وهي قريبة من ترتيب بعض مصاحف الصحابة، ولا سيما مصحف أُبَي بن كعب مع وجود بعض الاختلافات اليسيرة، منها: أنَّ الصحابة كانوا يعدّون سورة يونس من السبع الطوال، فكانت هي السورة السابعة ترتيباً في مصحف ابن مسعود، والثامنة في مصحف أُبَيّ بن كعب، لكنّ عثمان عمَد إلى سورة الأنفال فجعلَها هي وسورة براءة سابعة السبع الطوال، ظنّاً منه أنّها سورة واحدة، وأخَّر سورة يونس إلى سور المئين .
 
ب- الإعجام (النقط) والشكل (التشكيل): خلو المصاحف العثمانية عن العلامات التي تمتاز بها الحروف المعجمة عن الحروف المهملة22, بسبب طبيعة الخطّ العربي آنذاك، فلا تمييز بين الباء والتاء، ولا بين الجيم والحاء والخاء...، مثال: ﴿تَبْلُو﴾ و(تتلو) في قوله تعالى: ﴿هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَّا أَسْلَفَتْ...﴾   ، و﴿نُنَجِّيكَ﴾ و(ننحّيك) في قوله تعالى: ﴿فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً﴾...   .

وكذلك تجرّد المصحف عن الحركة والإعراب , ما استدعى أن يقوم القارئ بنفسه بالتمييز بينهما عند القراءة, حسب ما يبدو له من قرائن, كما كان عليه أن يعرِف بنفسه وزن الكلمة وكيفية إعرابها أيضاً، مثال: في قوله تعالى: ﴿...وَأَشْهِدُوْاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ وَإِن تَفْعَلُواْ فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾  ، قرأ حمزة وحده: (إن تضل) بكسر الهمزة. والباقون بفتحها. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وقتيبة: (فتذكر) بالتخفيف والنصب. وقرأ حمزة: (فتذكر) بالتشديد والرفع. وقرأ. الباقون: (فتذكر) بالتشديد والنصب. وقرأ عاصم وحده: (تجارة حاضرة) بالنصب. وقرأ الباقون بالرفع. وقرأ أبو جعفر: (ولا يضار) بتشديد الراء وتسكينها. والباقون: (لا يضار) بالنصب والتشديد .

ومن هنا، فإنّ خلو المصاحف الأوَّليَّة عن علائم فارقة شكّل سبباً بارزاً في حدوث الاختلاف في القراءات في ما بعد, إذ كان الاعتماد على الحفْظ والسماع، وبطول الزمان ربَّما كان يحصل اشتباه في النقل أو خلْط في السماع. أضف إلى ذلك دخول ألسنة غير عربية إلى الإسلام بعد توسّع الفتوحات الإسلامية, فكان يتعذّر عليهم قراءة مصحف خالٍ من العلائم الإيضاحية المائزة، حتى لو تعلّموا 
اللغة العربية .

 

4- مصير المصاحف العثمانية:
ليس بين أيدينا دليل قاطع على وجود المصاحف العثمانية الآن، فضلاً عن تعيين أمكنتها، وقد أفاد ابن الجزري أنّه رأى في زمانه مصحف أهل الشام، ورأى - أيضاً - مصحفاً في مصر. أمّا المصاحف الأثرية التي تحتويها خزائن الكتب والآثار في مصر، ويقال عنها: إنّها مصاحف عثمانية, فإنّنا نشكّ كثيراً في صحّة هذه النسبة, لأنّ بها زركشة ونقوشاً موضوعة كعلامات للفصل بين السور، ولبيان أعشار القرآن، ومعلوم أنّ المصاحف العثمانية كانت خالية من كلّ هذا، ومن النقط والشكل أيضاً.

نعم، إنّ المصحف المحفوظ في خزانة الآثار بالمسجد الحسيني والمنسوب إلى عثمان مكتوب بالخطّ الكوفي القديم، مع تجويف حروفه وسعة حجمه جداً، ورسمه يوافق رسم المصحف المدني أو الشامي، حيث رسم فيه كلمة "من يردْد" من سورة المائدة، بدالين اثنين مع فكّ الإدغام, وهي فيها بهذا الرسم، فأكبر الظنّ أنّ هذا المصحف منقول من المصاحف العثمانية على رسم بعضها. وكذلك المصحف المحفوظ بتلك الخزانة، ويقال: إنّ علي ابن أبي طالب كتبه بخطّه، يلاحظ فيه أنّه مكتوب بذلك الخط الكوفي القديم، بيد أنّه أصغر حجماً، وخطّه أقل تجويفاً من سابقهن ورسمه يوافق غير المدني والشامي من المصاحف العثمانية، حيث رُسِمَت فيه الكلمة السابقة "يردّ" بدال واحدة مع الإداغام، وهي في غيرهما كذلك، فمن الجائز أن يكون كاتبه علياً أو أن يكون قد أمر بكتابته في الكوفة .


 
5- الصحيح في مسألة جمع القرآن:
إذا أردنا أن نقوِّم عملية جمع القرآن بحسب ما ورد من روايات ووثائق تاريخية في هذا الصدد، فيمكن القول: إنّ الجمع مرّ بمراحل ثلاث هي:
أ- المرحلة الأولى: جمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم: وهو عبارة عن تأليف السور وترتيب الآيات داخلها بأمر من النبي صلى الله عليه وآله وسلم, وذلك ضمن صُحُف غير مرتّبة السور ولا مجموعة بين دفّتين.

ب- المرحلة الثانية: جمع الإمام علي عليه السلام: وهو عبارة عن جمع القرآن بين دفّتين ضمن مصحف جامع, وفق ترتيب النزول, بإيصاء من النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل رحيله صلى الله عليه وآله وسلم, وتقسم هذه المرحلة إلى مرحلتين:

- الأولى: جمع القرآن بين دفتين ممّا تركه النبي صلى الله عليه وآله وسلم خلف فراشه وعهد به إلى الإمام علي عليه السلام ليباشر بجمعه بعد رحيله صلى الله عليه وآله وسلم.

- الثانية: نسخ القرآن المجموع على نسخة من القرطاس، بعد أن كانت النسخة الأولى مكتوبة على العسب واللخاف والقرطاس والخشب...

وتجدر الإشارة إلى أنّ جمع زيد بن ثابت، والذي حصل بعد جمع الإمام علي عليه السلام لم يكن جمعاً لمصحف، بل لصحائف غير مرتّبة السور، فلم يأتِ بشيء جديد، فضلاً عن أنّ هذه الصحائف كانت نسخة خاصّة بالخليفة الأوّل، ثمّ أصبحت عند الخليفة الثاني، ثمّ ورثتها ابنته حفصة، ولم تكن هذه الصحائف متداولة بين المسلمين.

كما أنّ ما جمعه الصحابة ضمن مصاحف, كأُبَي بن كعب، وعبدالله بن مسعود، وغيرهما، جاء بعد جمع الإمام علي عليه السلام, ولم يقدّم شيئاً جديداً على ما جمعه الإمام علي عليه السلام, بل كان بعض هذه المصاحف يشتمل على اجتهادات من قِبَل الصحابة أدّت في ما بعد إلى وقوع الاختلاف بين الناس في قراءة القرآن.

ج- المرحلة الثالثة: محاولة توحيد القراءات المختلفة والرسم في عهد عثمان بن عفان: والواقع أنّ هذه المحاولة لم يُكتَب لها تحقيق هدفها, لأنّها وقعت في المشكلة نفسها من الاختلاف، حيث كانت المصاحف العثمانية المُرسَلة إلى الأمصار في ما بينها, قراءة ورسماً، ولم تفلح في توحيد القراءة والرسم. وعلى رغم ذلك فقد أمضى الإمام علي عليه السلام محاولة توحيد المصاحف تلك وأيّدها، ومنع في ما بعد أيّ محاولة لتصحيح المصحف, حتى ولو كانت تصحيحاً لأخطاء إملائية واضحة.
 
 


الأفكار الرئيسة


1- وقع الاختلاف بين الناس في قراءة القرآن بفعل اختلاف مصاحف الصحابة في ما بينها, ما أدّى إلى القيام بمشروع توحيد المصاحف عام 25 للهجرة.

2- وردت في المصحف العثماني أخطاء ومناقضات إملائية لا يستهان بها، مع وجود بعض الاختلاف بين النسخ المُرسلة إلى الآفاق الإسلامية التي كانت 6 أو 8 مصاحف على اختلاف بين المؤرّخين في عددها.

3- كان الإمام علي عليه السلام حريصاً على الالتزام بما نتج عن لجنة توحيد المصاحف, حِفاظاً على كتاب الله من أن تمسَّه يد التحريف في ما بعد تحت ذريعة الإصلاح.

4- من خصائص المصاحف العثمانية، موافقتها لترتيب المصحف الموجود الذي بين أيدينا، خلوها من النقط والتشكيل، والحركات والإعراب, بما أدّى إلى حدوث الاختلاف في القراءة بين الناس من جديد.

5- ليس بين أيدينا دليل قاطع على وجود المصاحف العثمانية الآن، فضلاً عن تعيين أمكنتها.

6- جمع القرآن مرّ بمراحل ثلاث:.جمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم: تأليف السور وترتيب الآيات داخلها بأمر من النبي صلى الله عليه وآله وسلم, وضمن صُحُف غير مرتّبة السور ولا مجموعة بين دفّتين. ب.جمع الإمام علي عليه السلام: جمع القرآن بين دفّتين ضمن مصحف جامع, وفق ترتيب النزول, بإيصاء من النبي صلى الله عليه وآله وسلم. ج. محاولة توحيد القراءات المختلفة والرسم في عهد عثمان.

  


مطالعة

دور الشيعة في جمع القرآن وحفظه 
إذا عرضنا تاريخ القرآن المجيد والأدوار التي مرّت عليه جيلاً بعد جيل، وجدنا أنّ هذا النصّ الموجود بهذا الوضع الراهن هو صنيع جهود الشيعة بالذات، وهم الذين سهروا على حِفْظه وضبْطه وإتقانه، وعملوا في تحسينه وتشكيله وتطويره, من جميل إلى أجمل، في عمل مستمرّ، حيث كان الإمام علي عليه السلام أوّل مَن جمْع القرآن بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مباشرة، وإن كان جَمْعه رُفِضَ من قِبَل القوم، لكنّ فكرة الجمع أثّرت أثرها في ما جُمِعَ بعده، ولم يكن الاختلاف بين الجمْعَين في ذات القرآن، بل في ترتيب السور القرآنية, وفق ترتيب النزول. وكانت المصاحف الرئيسية الّتي جُمع فيها القرآن كلّه على ذلك العهد ـ قبل توحيدها ـ هي: ما جمعه عبد الله بن مسعود، وأُبيّ بن كعب، وأبو الدرداء، والمقداد ابن الأسود، ممّن عُرفوا بالوَلاء الخاصّ للبيت النبويّ الرفيع، ولم يكن سائر المصاحف بذلك الاعتبار، وكانت صحف أبي بكر غير منتظمة بين دفَّتين.

وأوّل مَن جاء بفكرة توحيد المصاحف على عهد عثمان هو: حذيفة بن اليمان، وكان أُبَي بن كعب هو الذي تصدّى إملاء القرآن على لجْنة استنساخ المصاحف الموحَّدة، وكانوا يراجعونه في ما أُشكِلَ عليهم مِن ثبْت الكلمات. وكان تشكيل المصحف وتنقيطه على يد أبي الأسود الدؤلي, صاحب أمير المؤمنين عليه السلام, وتلميذيه: نصر بن عاصم، ويحيى بن يعمر، وأوّل مَن تنوّق في كتابة المصحف وتجويد خطِّه هو: خالد بن أبي الهياج, صاحب الإمام علي عليه السلام, ثمَّ كان ضبط الحرَكات على الشكل الحاضر على يد الأستاذ الكبير الخليل بن أحمد الفراهيدي، وكان هو أوّل مَن وضَع الهمْز والتشديد والرَوم والإشمام. أمّا القراءات: فإنّ الشيعة هم الّذين درسوا أصولها، وأحكموا قواعدها، وأبدعوا في فنونها وأطوارها في أمانة وإخلاص، حيث كان أربعة ـ إن لم نقل ستَّة ـ من القرّاء السبعة شيعة، فضلاً عن غيرهم من أئمةٍ قرّاءٍ كِبار: كابن مسعود، وأُبي بن كعب، وأبي الدرداء، والمقداد، وابن عبّاس، وأبي الأسود، وعلقمة، وابن السائب، والسلمي، وزرِّ بن حبيش، وسعيد بن جبير، ونصر بن عاصم، ويحيى بن يعمر، وعاصم بن أبي النجود، وحمران بن أعين، وأبان بن تغلب، والأعمش، وأبي عمرو بن العلاء، وحمزة، والكسائي، وابن عيّاش، وحفص بن سليمان، ونظرائهم من أئمَّة كبار، هم رؤوس في القراءة والإقراء في الأمصار والأعصار. أمّا القراءة الحاضرة ـ قراءة حفْص ـ فهي قراءة شيعيَّة خالصة، رواها حفْص, وهو من أصحاب الإمام الصادق عليه السلام, عن شيخه عاصم, وهو من أعيان شيعة الكوفة الأعلام، عن شيخه السلمي ـ كان من خواصّ أصحاب الإمام علي عليه السلام, عن أمير المؤمنين عليه السلام, عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الله عزَّ وجلّ.

 


المصادر والمراجع


1- القرآن الكريم.
2- ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج3، ص111-112.
3- ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، ج39، ص241-242.
4- العسقلاني، فتح الباري، ج9، ص15-17.
5- المتّقي الهندي، كنز العمّال في سنن الأقوال والأفعال، ج2، ح4870، ص585, ح4784، ص586, ح4787، ص587.
6- اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، ج2، ص160، 170.
7- البخاري، صحيح البخاري، ج6، ص99.
8- السيوطي، الإتقان في علوم القرآن، ج1، ص164-166، 216.
9- الزرقاني، مناهل العرفان في علوم القرآن، ج1، ص211، 213، 329-332.
10- الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن، ج2، ص389، 462.
11- الترمذي، سنن الترمذي(الجامع الصحيح)، ج4، ص348-349.
12- الطوسي، التبيان في تفسير القرآن، ج9، ص495.
13- ابن حنبل، مسند أحمد، ج1، ص5
14- النيسابوري، المستدرك على الصحيحين، ج2، ص221.
15- الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن، ج1، ص330-333, ج2، ص216, ج5، ص180، 221.
 

2020-11-23 | 1059 قراءة