إنسان بعمر 250 سنة | الثِمار العظيمة لصلح الامام الحسن (ع) 04

في حين كان تيار الفساد الاموي مستشرياً، كان يسير إلى جانبه تيّار إسلاميّ أصيل هو إسلام القيم والقرآن الّذي لا يعرف المهادنة مع ذلك التيّار الحاكم المنافي للقيم، ومصداقه البارز أئمّة الهدى عليهم السلام والكثير من المسلمين الموالين لهم. وبفضل وجود الإمام الحسن المجتبى عليه السلام، فقد حافظ هذا التيّار القيميّ للنهضة الإسلاميّة على الإسلام - فلولا صلح الإمام المجتبى لما كُتب لذلك الإسلام القيميّ النّهضويّ البقاء، ولزال من الوجود، لأنّ الغلبة كانت لتكون في خاتمة المطاف من نصيب معاوية، ولم يكن الوضع بحيث يمكن أن تكون الغلبة للإمام الحسن المجتبى عليه السلام، فقد كانت جميع العوامل تسير بالاتّجاه المعاكس لغلبة الإمام المجتبى عليه السلام، ولأن تكون الغلبة لمعاوية وذلك لأنّ الجهاز الإعلاميّ كان طوع يده، ولأنّ شخصيته في العالم الإسلاميّ لم تكن تلك الشّخصيّة الّتي يعجزون عن تبريرها وإبرازها.

 

ولولا لجوء الإمام الحسن عليه السلام للصلح لكانوا قضوا على وجود آل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم تمامًا، ولما بقي من يحفظ النّظام القيميّ الأصيل للإسلام، ولكان انتهى كلّ شيء، ولامّحى ذكر الإسلام. ولما كان الدّور ليصل لحادثة عاشوراء. فلو كان الإمام المجتبى عليه السلام قد قرّر الاستمرار في الحرب ضدّ معاوية وانتهت (الحرب) باستشهاد آل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، لكان الإمام الحسين عليه السلام قُتل في نفس تلك الحادثة ولحصل نفس الشّيء لكبار الأصحاب، أمثال حجر بن عُديّ، ولكان مات الجميع وما بقي من يستفيد من الفرصة للمحافظة على الإسلام بإطاره القيمي. فقد كان للإمام المجتبى عليه السلام حقٌّ عظيم على بقاء الإسلام.

(11/04/1990)

 

بالطّبع، كان الصّلح مفروضًا، وقد وقع صلحٌ في النّهاية. ولكن يجب القول بأنّ الإمام لم يكن راغباً به. وتلك الشّروط الّتي أقرّها الإمام، في الواقع، زلزلت أسس عمل معاوية. فالصّلح بذاته وشروط الإمام الحسن عليه السلام، كانت جميعها مكرًا إلهيًّا، ﴿وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللّهُ﴾ ، أي لو أنّ الإمام الحسن حارب وقُتل في الحرب - وكان هناك احتمالٌ كبير لأن يُقتل على يد أصحابه أو على يد الجواسيس الّذين اشتراهم معاوية ـ لكان معاوية ليقول أنا لم أقتله بل قتله أصحابه، ولعلّه كان سيقيم العزاء عليه أيضًا، ويبيد جميع أصحاب أمير المؤمنين من بعدها، ولما كان بقي هناك أي شيء باسم التشيّع، حتّى تظهر بعد 20 سنة في الكوفة جماعة تدعو الإمام الحسين عليه السلام. فما كان ليبقى أيّ شيء أصلًا. لقد حفظ الإمام الحسن الشّيعة، أي إنّه حفظ البناء حتّى ترجع الحكومة إلى أهل البيت بعد عشرين أو 25 سنة.

(11/04/1990)


المصدر: كتاب إنسان بعمر 250 سنة، للامام الخامنئي، الفصل الخامس : الإمام الحسن (ع)

2025-04-21 | 14 قراءة