قارون

كان قارون من أرحام نبي الله موسى (عليه السلام) وأقاربه، وكان فقيراً لا مال له ولا جاه، ثم تعلّم بعض العلوم واشتغل بها فصار ثريّاً فاحش الثراء؛ حيث امتحنه الله (عز وجل) بالمال الكثير كما عبّرت الآية الكريمة: ﴿وَآَتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إنّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ﴾. 


وهذا الغني المترف بدل أن يشكر نعمة الله المتفضِّل عمد إلى كفرانها ونسيان المنعم، ثمّ بغى وعلا حتى على أقرب المقرَّبين وهم أهله وقومه, وفيه قال (تعالى): ﴿إنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ﴾، كذلك لم يستمع لنصائح العلماء الأتقياء من قومه والذين أرشدوه إلى إمكانية الاستفادة من المال الوفير والفرصة التي منحه الله إياها بعمل الخير ومساعدة الناس والبرِّ بهم.


أجاب قارون على مواعظ الواعظين له بصلف وغرور مشبعان بنشوة الترف، فقال كما يحكي القرآن عنه: ﴿قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي..﴾.
وإمعاناً منه في التعالي والخيلاء خرج قارون إلى الناس باستعراض كبير وأظهر جميع قدرته وقوّته مصطحباً معه خدمه وحشمه وأعوانه وثروته وحرَّاسها.  


ونجح قارون في زرع الفتنة في قلوب الكثيرين من أبناء مجتمعه. قال (تعالى): ﴿فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾.


أما الصنف الآخر الذين لم تغرّهم تلك الظاهر فحالُهم: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ﴾.


ويحدّثنا الله (سبحانه) عن النتيجة التي واجهها (قارون) بعد عملية الاستعراض لزينته وثروته إذ قال: ﴿فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ﴾. 


فلم ينفعه علمه الذي اغتر به، ولا أنصاره ولا أعوانه، ولا ثروته الكبيرة، كلّ ذلك لم يغنِ عنه من عذاب الله شيئاً وكان من الهالكين الخاسرين الذين خسروا الدنيا والآخرة.
 

2022-01-13 | 570 قراءة